الملحق الثقافي – سناء شامي :
اليوم مع ثورة التكنولوجيا والمعلوماتية تراجع التصنيع، بل بدأ التراجع تدريجياً منذ السبعينات بعد أن فكك المجتمعات المحلية وأدى إلى عزل الرجل والمرأة معاً ولتحويل العزلة إلى حرب دعمت الرأسمالية مالياً وإعلامياً الحركات النسوية ليس لغرض الدفاع عن حقوقهن ضد استغلال الرجل لهن ولكن من إجل إبراز وتمجيد الذات الأنثوية وتحجيم معنى الأمومة، ولتهميش صورة الرجل وكسر قوته كإله يحمي الأسرة ويعيلها ولإضعاف دور أبوته الرأسمالية في الوقت ذاته شجعت الأنثى على الاستقلالية بجسدها، فشرّعت قوانين تسمح لها بالإجهاض، وسمحت بتأجير الأرحام وحاربت الحجاب وصنعت الإرهاب الديني، ليس فقط لتسيطر على موارد الشعوب، وإنما لتحارب العقيدة، فاليوم عقيدة المسلمين هي المستهدفة، ويحاولون استعمال المرأة وإغرائها لتطبيق النموذج الغربي، الذي به قضوا على إيمان وعقيدة الشعوب الأوربية.
لذلك اليوم المرأة يجب أن تدافع عن هويتها وهوية مجتمعها من خلال الوعي والتمسك بالعقيدة السليمة، والعقيدة غير مرتبطة بدين معين.
الثورات الصناعية جميعها، عملت على ولادة المجتمع الجماهيري وعلى انفجار الصراعات الاجتماعية وأزمة النماذج التقليدية في كل العالم، وتم اختبار النظام السياسي الليبرالي بشدة من قبل القومية والإمبريالية التي أثرت على جميع القوى الأوروبية والعربية، ومهدت الطريق لكوارث الحروب الكبرى، وكان تعميق الخلاف بين المرأة والرجل استراتيجية حتمية لإضعاف وتفتيت المجتمعات من الداخل.
اليوم مع ثورة التكنولوجيا، يدفعون لتأنيث الذكر، وجعل الأنثى ذكراً، حكومة الدنمارك مثلاً، أعلنت تمويلها ودعمها لكل من يريد أن يقوم بعملية التحويل الجنسي.
اليوم في أوروبا تنتشر إيديولوجية الإنسان كنوع اجتماعي ويدفعون بشدة نحو اختفاء الذكر: في العقود الأخيرة، ركزت الأيديولوجيات النسوية، اللواتي ينشرن أيديولوجية النوع الاجتماعي اليوم) بشكل كبير على حب الظهور وعلى التفوق على الذكر، وغالباً ما يقلدن الرجال ويحتقرونهم، لدرجة أن الجنس الذكوري أصبح يكره نفسه ويميل أكثر فأكثر للتأنيث.
إن ظاهرة تأنيث المجتمع المعاصر تخفي مخططات هدّامة ضد الرجل والمرأة معاً، وللأسف بدأت تغزو مجتمعاتنا العربية من عدة وجوه، لايمكن أن ننظر لحقوق المرأة بمنأى عن وضع الرجل وبمنأى عن الموديل السياسي والاقتصادي السائدين في كل مجتمع، وخصوصاً في دول المركز التي تصدّر سياساتها وأشكال إقتصادها إلى البلدان العربية والنامية، وتفرض عليها رسم حياة اجتماعية تناسب مصالحها مستغلة هشاشة واقع المجتمع نساءً ورجالاً.
من أكبر المخاطر التي تواجه المرأة العربية اليوم هو عدم امتلاكها لأدوات المعرفة والمهارات البنّاءة و غياب الوعي اليوم أكثر من أي يوم مضى، يحدث في البلدان العربية تغيير جذري للنسيج الاجتماعي، و ليس هناك استراتيجيات تنموية و توعوية قادرة على توظيف التكنولوجيا لصالح المرأة والرجل معاً.
دور المرأة اليوم يجب أن يكون بطولياً للدفاع عن نسيجها الإجتماعي، وعن هويتها التي لا يمكن فصلها عن هوية الرجل، فهو مقياس إنوثتها وبالعكس، وبدونه لا يمكن خياطة النسيج الاجتماعي، حقوق المرأة تُحفظ عندما تقوم بتربية الذكر على التوازن وعلى احترام الجانب المكمّل لشخصيته، ألا وهو المرأة والله في كتابه العظيم قال: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، أي من نفس واحد منها الذكر والأنثى، والواو حرف عطف تربط وتوحّد، دور المرأة اليوم أن تنشر المؤازرة بين النساء، ودحض ثقافة المرأة عدو المرأة، ففي المجتمعات العربية ما زالت زوجة الابن تُعامل كعدو وأسرة الزوجة أو الزوج مثل شر يجب تجنبه، وهذا غالباً ما يسبب ضغوطات نفسية ومادية هائلة على المرأة والرجل في حياتهما اليومية، على المرأة أن تدعم المرأة، ولا تقلل من شأنها أو تعمل على إحباطها بسبب الغيرة، الوحدة بين النساء شرط أساسي لبناء المجتمع وحماية حقوقها. يجب أن تعي المرأة اليوم بأنها مستهدفة من نظام إمبريالي يفرض منظومته الفكرية و الثقافية المدمرة و يرى في المرأة سلعة و سلاح فعّال وفتاك لتفتيت المجتمع من الداخل و لتمرير أهداف الليبيرالية ضد الإسلام بالذات، لأن الغرب يخشى بالدرجة الأولى الإسلام، وحروبه الجديدة لها شكل جديد اسمه الليبيرالية الحديثة، والمرأة وقودها لأنه مدرك بالقوة الطبيعية للمرأة في بناء الأسرة و المجتمع و كما استعمل الدين لتفريق المجتمعات، يستعمل أيضاً المرأة لطحن ما قام بتجزأته. إن تغيير أو بالأحرى تحسين أوضاع المرأة، يبدأ بالوعي الكامل والشامل للمسير التاريخي ومقارنته مع واقع الحال، وما يُطبخه بهدوء جزارة الليبيرالية لدوام سلطة الغرب على الشرق نسخة الحروب الصليبية الحديثة لها إخراج جديد وسيناريوهات محدّثة، لكن المحتوى لم يتبدل يوماً، ولن يتبدل إن لم يلدّله الشرق نفسه بكل فئاته.
التاريخ 17 – 9 – 2024
العدد 1205