الثورة – يمن سليمان عباس:
يقول المثل الشعبي “يحتاج الطفل بعد ولادته إلى سنتين أو أكثر حتى يتعلم الكلام”..
ولكن ما إن يتعلمه حتى يحتاج العمر كله حتى يصل إلى مرحلة الإصغاء والاستماع.، وثمة مثل آخر نعرفه جميعاً.، “إذا كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب”.
هذه المعاني تريد أن تقول علينا أن نكون قادرين على حسن الاستماع والإصغاء، وهذا بحد ذاته فن وسلوك ودراية لا يعرفها الكثيرون.
علم النفس الاجتماعي بدأ الغوص في هذا اللون من العلوم ويطرح التساؤل التالي؛
تخيل نفسك في محادثة وعقلك مشغول بالتفكير في ردك التالي، أو ما ستقوله لتبدو ذكياً أو مثيراً للاهتمام، ولكن هنا المفاجأة، السر في أن تكون متحدثاً بارعاً لا يكمن في ما تقوله، إنه يكمن في مدى قدرتك على الاستماع، هذا هو السر الكبير والمخفي وراء التواصل الفعّال، كتاب أوسكار تريميلو يجيب على ذلك وقد حمل عنوان “فن الاستماع.. اكتشف المفتاح الخفي لتحسين التواصل”.
الكتاب الدراسة لا يتحدث فقط عن الاستماع على المستوى السطحي، وتهز رأسك وتقول “نعم” لتبدو مهتماً، لا، تريميلو يذهب لأبعد من ذلك بكثير إنه يتحدث عن “الاستماع العميق”، هذا النوع من الاستماع لا يعني فقط سماع الكلمات، بل الغوص في ما وراءها: المشاعر، القلق الذي لم يُصرح به، والمعاني الحقيقية المخفية بين السطور، الأمر كله يتعلق بأن تكون حاضراً بشكل كامل مع الشخص الذي يتحدث معك، والتأثيرات التي تنتج عن ذلك مذهلة، فجأة تجد نفسك الشخص الذي يلجأ إليه الآخرون لأنهم يشعرون بأنك استمعت لهم وفهمتهم.
هنا يأتي الجزء الأكثر إثارة، معظم الناس يعتقدون أنهم جيدون في الاستماع، لكن تريميلو يصدمنا منذ البداية ويخبرنا أن الحقيقة عكس ذلك، غالباً ما نستمع ونحن في وضعية الطيار الآلي، نعير نصف انتباهنا بينما نفكر في ردودنا أو نحلم بأمور أخرى، ولكن كسر هذه العادة يؤدي إلى نتائج مذهلة علاقات أقوى وتواصل أوضح، وتأثير أكبر سواء في حياتك الشخصية أو المهنية.
إحدى النقاط الأكثر إثارة التي يطرحها الكتاب هي أن الاستماع ليس مجرد عملية تعتمد على الأذنين، الأمر يتعلق بالاستماع بكل حواسك بأذنيك وبعينيك، وحتى بشعورك، يوضح تريميلو أن الناس يتواصلون بطبقات مختلفة، والكلمات ليست إلا طبقة واحدة منها، ولكن النبرة، والتوقفات، ولغة الجسد هي المكان الذي تعيش فيه القصة الحقيقية، عندما تبدأ في الانتباه لهذه الإشارات المخفية، تفتح أبواباً جديدة من التواصل.
هل تعرف تلك اللحظة التي تشعر فيها أن شخصاً ما فهمك بالفعل؟ إنها لحظة نادرة، ولكن عندما تحدث، يكون تأثيرها قوياً، هذا هو الشعور الذي يسعى تريميلو إلى مساعدتك على إحداثه للآخرين، يشرح كيف أن طرح أسئلة أفضل، والراحة مع الصمت، يمنح الآخرين المساحة لمشاركة ما في داخلهم، وفي هذه العملية، تعزز الثقة، النتيجة؟ تصبح ذلك الشخص الذي ينجذب إليه الناس لأنهم يعرفون أنك لا تنتظر فقط دورك في الحديث، أنت مستمع حقيقي.
لكن دعنا نتحدث عن الجزء الذي قد يغير حياتك، تريميلو يؤكد أن الاستماع يمكن أن يُحدث تحولاً ليس فقط في محادثاتك، بل في حياتك بالكامل، فكر في الأمر، إذا أتقنت هذه المهارة الواحدة، فجأة ستتحسن علاقاتك، وتصبح اجتماعات العمل أكثر فعالية، وحتى النزاعات تأخذ طابعاً مختلفاً لأنك انتقلت من الدفاع عن نفسك إلى الفهم الحقيقي للطرف الآخر، وهنا يبدأ السحر.
عندما تنهي الكتاب، ستبدأ في إعادة النظر في كل محادثة خضتها، وتتساءل كم فاتك لأنك لم تكن مستمعاً جيداً، يتركك تريميلو مع نصائح عملية، مثل كيفية تهدئة عقلك أثناء استماعك لشخص ما، وكيفية طرح الأسئلة التي تؤدي إلى محادثات أعمق، والأهم من ذلك، كيفية خلق بيئة يشعر فيها الآخرون بالأمان للتحدث بصدق.
الجزء المفاجئ.. الأمر ليس بهذه الصعوبة، السر في أن تصبح مستمعاً أفضل لا يتعلق بفعل المزيد، بل بفعل أقل، أقل مقاطعة، أقل تخطيطا لردودك، وأقل إصدار أحكام، يتعلق الأمر بالاسترخاء في المحادثة والسماح للطرف الآخر بأن يشعر أن لديه انتباهك الكامل، وهذه نقطة تحول، عندما تنهي فن الاستماع، ستتساءل كم من المحادثات الرائعة فاتتك لأنك لم تكن تستمع حقاً.
وإليك النتيجة النهائية: إذا بدأت بتطبيق حتى نصف ما يقترحه تريميلو، لن تصبح فقط مستمعاً أفضل، بل ستصبح الشخص الذي يثق به الآخرون، الشخص الذي يلجأ إليه الناس، والشخص الذي يبرز في عالم مليء بالثرثرة لأنك الشخص الذي يستمع حقاً.
يذكرنا هذا بالقول المأثور(سميعة حلب) أولئك الذين يشكلون لجنة الحكم على كل صوت غنائي جديد، وكم من مطرب عربي نال شهرته بعد أن أعطاه هؤلاء السميعة جواز المرور.