الملحق الثقافي- غسان شمة :
ذات وجع موغل في جرح الإنسان النازف عبر تاريخه الطويل، قال ألبير كامو: «حاولي أن تدركي أن لا شيء يعادل الظلم الذي أنزلوه بالإنسان»… والتاريخ البشري في تدفق نهر آلامه يحصد روح الإنسان بمنجله الكبير الحاد، ذلك أن الحقيقة «الثابتة» تشير إلى أن الإنسان ما زال ضحية أطماع الإنسان نفسه، والتي لا تنتهي بقدر ما تتفاقم بالتوازي مع ارتفاع منسوب القسوة والقوة لأفراد وأمم لن تعد القيم الإنسانية، في قاموسها، أكثر من شعارات للتبجح الفارغ في عمقه مقابل الممارسة على أرض الواقع.
إن الثابت، الأكثر ووضوحاً، في مسيرة التاريخ البشري، الفردي والجمعي بوجه عام، ومنذ تفتحت عينا الإنسان على لذة الملكية والامتلاك وتفاقم المشاعر الذكورية في طورها القريب من التوحش، هو الصراع من أجل تحقيق ذلك بكل الوسائل الممكنة تحت رعاية «الغاية تبرر الوسيلة» قبل ظهور هذه المقولة وبعدها، وهو ما أكدته الحروب والمعارك والغزوات وأشكال الاستعمار المختلفة بشعاراتها «البراقة» التي كذبها الفعل على أرض الواقع.
عندما بدأت بوادر الحداثة الأوروبية و»بشائر التحضر»، وراحت تقيم نوعاً من القطيعة مع تاريخها الماضي، بتكويناته الأكثر رعباً، وبدت كما لو أنها تعيد للإنسان والإنسانية قيمها السامية، وتعاظم شأن الأفكار والإيديولوجيات في هذا المسار، الذي لم يتجاوز كثيراً محتواه النظري، حتى سقط «الإنسان» نفسه في امتحان الواقع مستعيداً ومستمراً في سيرته الأولى لكن بفكر أكثر خبثاً وأدوات أكثر توحشاً، وها هو «العالم القادر « يشهد اليوم بؤراً من الإجرام والتوحش الذي ينقض كل المعاهدات ذات «المحتوى الإنساني» وحرية الشعوب في تقرير مصيرها وحرية الفرد، ويتصدى رأس المال والقوة الفاجرة واجهة العالم دون خجل مهما كان حجم الجريمة وبشاعتها طالما يخدم ذلك الإمبريالية الأكثر توحشاً.. ولنا في ما يحدث في غزة وفلسطين، وبقاع أخرى من العالم، نماذج تخجل كل ذي فكر إنساني حر، وما أقل ذلك اليوم في هذا العالم الموغل في وهم سيطرته الكلية بدافع القوة العارية فقط.
التاريخ 17 – 9 – 2024
العدد 1205