الملحق الثقافي-رولا محمد السيد:
في مستهلّ كتاب أنتم الشعراء, يقدّم الرّيحاني عشر وصايا للشعراء,ومن ثمّ يقدّم خمس عشر وصية للشعراء أيضاً في نهاية الكتاب .
ومن باب الفائدة رأينا أن نجمع الوصايا معاً .
الوصايا ..
١_ أنا القاموس إلهك ؛لا إله لكَ غيري
٢اكرم سيبويهِ, ونفطويهِ والكسائيَّ, وأخوانهم أجمعين
٣ لا تحلف باسم ليلى بالباطل
٤ لا تمدحْ بالنور
٥لاتكذب على دعد وهند وشقيقتهما
٦ لاتبكِ
٧ لا تقتلْ
٨ لا تسرقْ
٩ لا تشتهِ قصيدة أخيك أو نياشينه
١٠ وفّر من غرش يومك لتطبع ديوانك وتنشره ,وتعلنه وتجزي المقرظين
١١حرروا صناعتكم من ( قفا نبك )وسائق الأظعان إنّ عندكم اليوم الطيارات لتسوقوا النّجوم
١٢ حرروا أنفسكم من القيود التي تحول دون الإبداع والتجدد, ودوّنْ الصّدق في الّشعور والحريّة في التفكير.
١٣ خذوا بيانكم, محازكم, استعارتكم, من الوجود ,ومن الحياة لا من الكتب .
١٤ ليكن في خيالكم حقائق كونية وبشرية وليشع من هذه الحقائق الخيال.
١٥ انظروا إلى الكون من خلال أنفسكم الّشاعرة الباصرة ,ولا تنظروا إلى أنفسكم من خلال الأوهام ,الشاعر صوتٌ ونورٌ, وما فيه سوى ذلك هو باطلٌ زائلٌ
١٦ لا تسرفوا في البيان, ولا تطنبوا في بثّ لواعج النّفس, فإنّ من أفصح الكلام الوقف ..ومن أبلغ المعاني الإشارة بل السكوت
١٧ حافظوا على التناسب والتوازن,بين الصيغة والمعنى, وبين القلب والروح, إذا كنتم طائرين مثلاً ليكن القول خفيفاً مجنّحاً,واذا كنتم متألمين, أو ناقمين لتكن الأمواج اللغويّة من ذوب الحديد.
١٨ تجنبوا السّخافة في الفكر والوصف ,وفي الصّور الشعريّة والخيال ..لا تسخّروا القمر والشمس مثلاً لما سخرهما قبلكم ألفُ شاعرٍ وشاعر.
١٩ لا تدخلوا المواضيع من الأبواب التي دخلها قبلكم جميع الشعراء المقلدين, فتتعثرون بعظامهم ولا تتجون من قبورهم
٢٠ ليكنْ لقصائدكم بدايةٌ ونهايةٌ .فلا تقرأ طرداً وعكساً على الّسواء.
٢١ لا تعصروا قلوبكم, كأن تتعلمون رقّة الشعور, ولا تتعقدوا أفكاركم كأن تتعمدون الغموض والإبهام
.٢٢ .تحرّوا البساطة والصدق, والإخلاص فكراً وصناعةً وخيالا ً.
٢٣ لا تنسوا وطنكم ,في حبّكم الإنسانيّ, ولا تنسوا الإنسانية في نزعاتكم الوطنيّة.
٢٤ ارفعوا للناس ,مشاعل الآباءة والشرف والقوة والعدل, والشّجاعة والثبات والأمل والإيمان.
٢٥ وقبل كلّ شيء, وبعد كلّ شيء ,كفكفوا دموعكم , فالّشمس لاتزال لكم ..والقمر لايزال رفيقكم ,والّربيع لايخونكم.
……
ربّة الشعر
ربّة الشّعر عونك وهداك
ربّة الشّعر قبساً من ضياك
إنّي أخشى على أبنائك الراسفين بقيود تنكرين وأخشى على حاملي لوائك الغاوي من عبادة تدرين بل أخشى عليك من سخافات النّظامي ,وترهات الغاوي ولادات المولّهين
أخشى عليك من أيد تحمل المناديل ومن دموع هي الزنجبيل وأنتِ الظّافر بالأكاليل.
أنتِ الجالسة سعيدةُ على عرش الخلود, وأنت المحجّة وأنت السّبيل.
ربّة الشّعر: الهميني الصّواب وسددي خطواتي الصّعاب, ولا تجهميني يوم الحساب.
اسمعيني, من أصواتك الّتي تسحر الأنس وتُسكر الجنّ وتملأ الكون غناءً وابتهاجاً فإنّي أذكر أنّ في رسومك وتماثيلك رمزاً للغناء.
يمثلك العارفون حاملةًالقيثارة تنشدين ,ولا يمثلونك حاملة المنديل تبكين.
وإنّ لقيثارتك اوتاراً لكلّ عواطف الحياة ولكلّ لهجات المنشدين.
ولكنّ أبناءك ,في هذا الشّرق العربيّ, فقدوا سُلّم العواطف, فقلّما يذكرون غير واحدة ,هي عاطفة الحزن والألم.
وفقد وا سُلّم اللهجات ,فقلّما يذكرون غيرَ واحدة,هي لهجة البكاء والنحيب.
وأنتِ حاملة القيثارة المتعددة الأوتار.
تلك القيثارة التي ردد (دنته)-دانتي – آيات وحيها وذهّب هوغو حواشي سحرها وكان هوميروس ابنها الأوّل الأغرّ.
ربّة الشعر:
قطعَ صوتُ علىّ الكلامَ فسمعته يقول:ولكنّهم في شرقك العربيّ مسخوا اسمي وشخصي, فاسموني شيطاناً وحمّلوني دنّاً فارغاً, طيب الرائحة ومصباحاً دخانه أكثر من نوره.
وقالوا للشعراء: اتبعوا شيطانكم , فتبعوه إلى دور الأمراء وإلى المقابر مديح ورثاء رثاء ومديح , وتبعوه إلى حانات فيها دعارة ,وليس فيها للشعر منارة وتبعوه إلى ساحات الوغى يحاربون دواليب الهواء وإلى طلول خاوية في ظلال شاوية وإلى غدر المكان تحت سدر الخيال وتبعوه إلى بحيرات من نور القمر تسبح فيها عرائس الأحزان حولها بنات الجان وفي من تبعوه من شعراء العرب
وأدركوا بهذي العبقرية
لا بهداه حواشي الظلّ لعرشي الأعلى, قليلون عرفتهم وفي مقدمتهم المتنبي والمعريّ والبهاء زهير.
فقلت: ربّة الشعر اعدلي فينا, ربّة الشّعر انصفينا
فقالت: اسعْ وعِ ,إنّ عندكم لكل وتر من أوتار الحيّ شاعراً يفوق جميع الّشعراء عندكم المتنبي في فخامة القول والحماسة ,والمعريّ, في حريّة الفكر والحكمة والفارض في العشق الّسريّ الصّوفيّ, والبهاء زهير في العشق الساذج الطبيعي وأبو نواس في المجون والتهكم ,وابو العتاهية في الورع والتقوى, والشّريف الّرضي في شريف الغزل و النسيب والمجنون في الوله والحزن والنحيب ,أمّا الإفرنج فإنّك لتجد كلّ هؤلاء في شاعر واحد كبير, في شعرائهم في غوته مثلاً أو في الّشاعر الأوحد شكسبير.
فقلت : وشعراء اليوم شعراء الوجدان ,أولئك الذين يتعلمون في المدارس اسمكِ القديم , واسم جبل وحيكِ, ويرون في الكتب رسمك ِتحملين القيثارة وهم يحسنون العدّ فيعدون أوتارها ,كما يعدّون أوزانهم,ٍ ولا يسمعون مع ذلك غير واحدٍ أو اثنين منها ,فما داؤهم دام جلالك ؟ ما السبب في بلائهم ؟هل السبب في السمع والبصر؟أام هل هو في التربية الشعريّة القياسيّة؟
فقالت :إنّ داءهم الأنانيّة وإنّ بلاءهم في نصف بصيرتهم ,ونصف سمعهم أجل إنّ أكثرهم لذو عينٍ واحدةٍ وأذنٍ واحدةٍ ,وأنّهم إذا ما نظروا إليّ لا يرون غير نصفي الأدنى,.ومنهم من لا يرى غير جزءٍ منه, وإذا هم أنصتوا لي فلا يسمعون غير صدى كلماتي العالية, فخيُر لهم وهذه حالهم أن يناجوا شياطينهم من أن يطوفوا حول معيدي ,ويرددون القوافي القديمة المصدئة في المديح والرثاء وبعد ذلك يتأوهون وينتحبون.
العدد 1208 – 8 – 10 -2024