دمشق.. حكاية شرفات البيوت القديمة وهي تتهامس باقتراب لتروي سير من سكنوا الديار، فكل بيت حيث تعاقبت عليه الأجيال، وتركت بصماتها على شرفاته العتيقة يحمل في طياته قصة جميلة تنتظر أن تروى.. بينما رائحة الياسمين المتلألئ على أبوابها تملأ الأجواء.. في قلب الشام تفوح مدينة دمشق بعبقها الفريد ينساب في الأزقة الضيقة، ويتغلغل في أرجاء الحارات القديمة، ليأخذ زائرها في رحلة عبر الزمن.
من بين أجمل معالم هذه المدينة العريقة تبرز شرفات بيوتها القديمة بتصاميمها الرائعة، والفريدة، والتي تمتد أسفلها أقواسٌ حجرية تحمل بصمات الماضي حتى لتكاد تسمع أصوات الأجداد وهم يجلسون في تلك الشرفات في مساءات الصيف.
وإذا ما تجولتَ في الأزقة الضيقة من دمشق القديمة شعرت بالألفة، وبروح المكان، وكأن باباً سحرياً من أبوابها التي تخفي وراءها الأسرار، وحكاية الزمان ينفتح لك عن حضارة عريقة، تعود إلى آلاف السنين لأقدم مدينة مأهولة على مر العصور اشتهرت بتراثها الثقافي الغني بينما هو يمتزج بحاضرها.
ما يجعل دمشق القديمة ساحرة هو تلك الروح الحية التي ما زالت تحملها بين تفاصيلها، فالمدينة تضم مجتمعاً متنوعاً من الناس الذين يحتفظون بتقاليدهم، وثقافاتهم الأصيلة.. بينما أبناؤها من الأدباء، والشعراء يستلهمون إبداعهم من جمال مدينتهم، ورونقها الفريد.. فلغة الشعر، والأدب هي الأكثر تعبيراً عن العاطفة، والإبداع الذي يمكن أن يثيره الجمال، والتاريخ المحيط بنا.
إنه سحر دمشق الذي يحتضن تاريخاً عريقاً، وثقافة غنية لا يمكن وصفه بالكلمات بل يجب على الإنسان أن يزورها بنفسه ليكتشفه عند كل خطوة يخطوها سواء في أحيائها القديمة التي تعاقبت عليها الأجيال وتركت بصماتها، أم في الحديثة منها والياسمين الدمشقي يفوح عطره في أجوائها ليزيدها سحراً، وبهاءً.
فزهرة الياسمين البيضاء التي تعرش على أسوار المنازل، وفي الساحات، وفي الحديقة الصغيرة في فناء البيت العربي القديم، ورائحتها المنتشرة في أرجاء المدينة ليست مجرد رائحة عطرية، بل هي لغة تعبيرية ارتبطت بعادات، وتقاليد شعبية تحمل في طياتها قصصاً كان لها أن وصلت بزخمها إلى جنات العريف في الأندلس لتظل شاهدة على حضارة هذه المدينة الخالدة.
عبق دمشق الفريد هو عبق الأصالة، والتاريخ، وليس فقط عبق الياسمين، إنه تذكِرة بأن الجمال الحقيقي لهذه المدينة يكمن في تلاحم ماضيها مع حاضرها، وفي قدرتها على الحفاظ على تراثها الثقافي، والبيئي، وقد شهدت مجموعة متنوعة من الحضارات، والثقافات على مر تاريخها مما جعلها تمتلك إرثاً لا يضاهى من الفن، والعمارة، والتراث الثقافي، وتاريخها يعود إلى آلاف السنين.
إن أحد أبرز العناصر التي تجعل من دمشق مدينة فريدة هو الجزء القديم منها الذي يتميز بشبكة معقدة من الأزقة الضيقة المرصوفة بالحصى، والأسواق التقليدية، والمباني المصنوعة من الطين والحجر، والتي تحتضن العديد من المعالم السياحية المهمة، والآثار التاريخية المميزة.
إن جمال مدينة دمشق جوهرة الشرق، وأهميتها الحضارية لا تقدران بثمن.. إنها واحة تاريخية، وثقافية فريدة لعبت دوراً محورياً في تاريخ الحضارة، وكانت مركزاً تجارياً، وثقافياً هاماً على طريق الحرير، وهي لا تزال تجمع بين الروح التقليدية والحداثة، وتتحدث بصوتٍ عالٍ عن تراثنا الإنساني.