إحدى العبارات التي وقع عليها بصرها كانت تتحدّث عن البدايات، إلى جوار عبارات أخرى كثيرة استعرضها أحد المواقع بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية.
المفارقة التي دفعتها للابتسام تصيد البونَ الشاسع بين كلّ ما نحياه في هذه النقطة الجغرافية، وبين الأحاديث الملوّنة عن الحفاظ على الصحة النفسية/العقلية.
وتذكّرتْ تلك الخلاصة التي تعتبر أن أعظم انتصار يحقّقه المرء زمن الحرب هو الحفاظ على سلامته.. النفسية/الجسدية
طوال سنوات الحرب تفنّنتْ باختراع وسائل “ذاتية” الصنع، حفاظاً على صحتها (النفسية العقلية)..
وابتكرت بدايات لمشاريع صغيرة.. أحلام.. ومخططات مهما كانت بسيطة، تجتهد في سبيل إكمالها..
ماذا لو كان الظرف العام طاغياً لدرجة ينسف فيها أي بدايات أو أحلام.. ويعود بنا إلى الصفر..؟
كما الحاصل حالياً..!
ما أعظم طاقتك حين تقوى على رسم بدايتك الخاصة على الرغم من كلّ الخراب المحيط.
كيف نردّ على ما يسربل لحظاتنا من خراب وخيبات..؟
قررتْ أن تنسى أو تتناسى رائحة هذا الخراب وأن تلتصق أكثر بكل اللحظات المحمّلة برائحة بدايات لا تنضب.
فالبدايات محفّزة.. مصدر طاقة وحيوية.. وجب استثمارها بعين قادرة على صيدها واكتشاف ظرفها المناسب وتوقيتها الخاص.
تبقى المشكلة مع تلك الأحداث الكبرى، المهولة، غير المنطقية واللاعقلانية، حين تنسف براعم أحلامنا وبداياتنا.. تُعيدنا إلى الوراء.. تنقص معدّل سرعتنا وإنجازنا..
ويتباطأ جريان (الزمن).. وربما توقّف عند حدث أو غيره..
لابأس حينها من الركون.. أو السكون.. واللا إنجاز.. أو حتى ممارسة (السُبات)..
وكأننا في فاصل زمني منعزل عن كل شيء شحناً لطاقتنا واستعادةً لسلامتنا (العقلية/النفسية).
حال هذه البلاد.. وقدرك معها أنك ستحيا الكثير مثل هكذا (فواصل زمنية).. وربما تحوّلت مع الوقت إلى فواصل (نفسية) تشتمل على إمكانية أن تُبعدك وتنشئ مسافات بينك وبين الآخر..
فهل استطعنا فعلياً الحفاظ على سلامتنا العقلية وصحتنا النفسية.. خلال كل ما عشناه وعايشناه في دائرة (الآن وهنا)..؟
هل أصبحنا أكثر قابلية للعيش.. وقدرة على اختبار لحظات السعادة والتمسك بها..؟
يذكر الكاتب (روبرت أوتارو): أنه “بغض النظر عن مقدار الشرّ الذي أراه، أعتقد أنه على الجميع أن يعرف أن هناك الكثير من الخير الموجود في هذا الشرّ”..
ربما ما قصده أنه كلّما حضر شيءٌ وجب حضور ضدّه بالمقدار نفسه.
يبدو أن التشوه والخراب الذي تستجره الحرب لا يبطل قدرتنا على التقاط الجمال مهما تناقص حضوره في عيشنا..
بل على العكس.. فمن أهم وسائل الدفاع (الذاتية) التي يفترض أننا طورناها أو تطورت تلقائياً زمن الحرب ضد التشوه والبشاعة، نمو مستشعرات (لا مرئية) وظيفتها صيد روائح كل الإيجابيات مهما تضاءل حضورها.