الملحق الثقافي-خالد حاج عقمان:
كانت ومازالت حرب تشرين وانتصاراتها من نعميات النضال العربي ضد الغطرسة الصهيونية في العصر الحديث…فهي مفخرة للعروبة كلها وللأمة العربية كما هي تاج على رؤوس الشعبين العربيين في سورية ومصر…إذ استطاعت هذه الحرب أن تجعل زمام المبادرة- لاستعادة الأرض السليبة في حرب حزيران المشؤومة- بيد القيادتين في كل من سورية ومصر..حيث نقطة الصفر ارتسمت في الجولان وسيناء…ليقدم المقاتلون وحماة الديار على كلتا الجبهتين أروع وأنصع صور البطولة والشرف والزود عن حياض الأمة…فكان التحرير في حرب أكتوبر رمضان….واستعادة الثقة في نفس العربي وإسقاط أسطورة الجيش الصهيوني الذي لايقهر…
فرجعت القنيطرة والجولان إلى التراب السوري وسيناء إلى مصر…
هذه الحرب وهذا الانتصار…بدلت النفوس وأبهجتها وعززت القدرات التكتيكية والقتالية لكل من الجيشين السوري والعربي…
فاستحقت هذه الحرب التمجيد والتخليد وأثرت في الخطاب والإبداعي: أدباً..وفناً تشكيلياً ومسرحياً وغنائياً وغير ذلك من صنوف الإبداع..
وسؤالنا كيف تجلى هذا التأثير وهذا التخليد في هذه الصنوف والأنواع الإبداعية…؟
…..ففي الشعر هناك محطات شعرية كثيرات مجدت حرب تشرين وانتصاراتها..لكننا سنورد قصيدتين لشاعرين أحبا دمشق حتى العظم وخلدا انتصارت تشرين..
فهاهو الشاعر نزار قباني يخبرنامن خلال قصيدته ”
ترصيع بالذهب على سيف دمشقي ..
قصيدة حرب تشرين كتبها نزار قباني عام 1974
واعذريني إذا بدوت حزينا … إن وجه المحب وجه حزين
هاهي الشام بعد فرقة دهر … أنهر سبعة وحور عين
النوافير في البيوت كلام … والعناقيد سكر مطحون
والسماء الزرقاء دفتر شعر … والحروف التي عليه سنونو
هل دمشق كما يقولون كانت … حين في الليل فكر الياسمين
آه يا شام كيف أشرح ما بي … وأنا فيك دائما مسكون
سامحيني إن لم أكاشفك بالعشق … فأحلى ما في الهوى التضمين
نحن أسرى معا وفي قفص الحب … يعاني السجان والمسجون
يا دمشق التي تقمصت فيها … هل أنا السرو أم أنا الشربين
أم أنا الفل قي أباريق أمي … أم أنا العشب والسحاب الهتون
أم أنا القطة الأثيرة في الدار … تلبي إذا دعاها الحنين
يا دمشق التي تفشى شذاها … تحت جلدي كأنه الزيزفون
سامحيني إذا اضطربت فإني … لا مقفى حبي ولا موزون
وازرعيني تحت الضفائر مشطا … فأريك الغرام كيف يكون
قادم من مدائن الريح وحدي … فاحتضني كالطفل يا قاسيون
احتضني ولا تناقش جنوني … ذروة العقل يا حبيبي الجنون
احتضني خمسين ألفا وألفا … فمع الضم لا يجوز السكون
أهي مجنونة بشوقي إليها … هذه الشام أم أنا المجنون
حامل حبها ثلاثين قرنا … فوق ظهري وما هناك معين
كلما جئتها أرد ديوني … للجميلات حاصرتني الديون
إن تخلت كل المقادير عني … فبعين حبيبتي أستعين
يا إلهي جعلت عشقي بحرا … أحرام على البحار السكون
يا إلهي هل الكتابة جرح … ليس يشفى أم مارد ملعون
كم أعاني في الشعر موتا جميلا … وتعاني من الرياح السفين
جاء تشرين يا حبيبة عمري … أحسن الوقت للهوى تشرين
ولنا موعد على جبل الشيخ … كم الثلج دافئ وحنون
وكما أبدع الشاعر القباني تألق ايضا الشاعر “سليمان العيسى” في تمجيده حرب تشرين حيث يقول: في قصيدته
( انتصار تشرين ) :
– أيارُ عرسُكَ معقودٌ على الجبلِ
دمُ الشهيدِ كتابُ الحبِّ والغزلِ
– خرجت من كفن التاريخ أغنية
أولى القصائد كانت في فم الأزل
– تعبت والسيف لم يركع ومزّقني
ليلي وأرضي صلاة السيف لم تزل
– قل للتراب عرفنا كيف نترعها
كأس الشهادة فاسق الأرض واغتسل
– تشرين مازال في الميدان يا وطني
بين المحيطين فاسحق غيمة الشلل
– وانزل هنا مرة أخرى على بردى
وبالشهيد بعطر الوحدة اكتحل
– انزل هنا مرّة أخرى أتسمعني ؟
مازال عرسك معقوداً على الجبل
– أطفال تشرين ما ماتوا ولا انطفؤوا
ولا ارتضوا عن ظلال السيف بالبدل
– أطفال تشرين ياصحراءُ أعرفهم
…
– أطفال تشرين يا وعداً أخبئه
للمعجزات لعرس العرس للقبل…..
وفي مجال القصة والرواية…كتب الكثير منها استوحى كتابها أحداث مسرودياتهم من حرب تشرين مثل:
“البيت والدخان ”
قصص ومذكرات عن حرب تشرين…للأديب يحيى خضور .
“ماذا بعد حرب تشرين” لكريم مروة…
“كلمات ملونة” للدكتورة نجاح العطار.
“المرصد” للكاتب حنا مينة.
“الشرارة طريق النصر”…وغيرها من قصص حرب تشرين الأول عام ١٩٧٣…..
أما في السينما فمثل غيرها من الميادين الثقافية والإبداعية..أرخت لانتصارات حرب تشرين ورصدتها كما في الأعمال:
(عواء الذئب)
إخراج شكيب غنام. تأليف خالد الأيوبي. إنتاج التلفزيون السوري.
(العريس)سهرة تلفزيونية .
(حكاية من تشرين) لهاني الروماني.
(الولادة الجديدة) إخراج غسان باخوس.
(رجال الحسم) نجدت أنزور.
(القنيطرة حبيبتي)
(موت مدينة)
(مهمة خاصة)
ذلك في السينما
وفي المسرح: قدمت مسرحية
“أغلى جوهرة في العالم” كوليت خوري.
“نقطة دم شهيد” تأليف سامية المدرس.
“أول فواكه الشام فانتوم” مسرحية لأحمد قبلاوي.
“ضيعة تشرين” لمحمد الماغوط ودريد لحام…
وفي الغناء والأناشيد الوطنية صدحت حناجر المغنين بالأغنيات التي تغنت ببطولات الجيش العربي السوري والمواطنين السوريين..
وهنا نتذكر أغنية جميلة وحماسية ومازالت الأجيال ترددها أغنية(سورية ياحبيبتي) لعمالقة الطرب الثلاثة: محمد سلمان ونجاح سلام ومحمد جمال..
هذا بالإضافة إلى عشرات الأغاني والأناشيد الوطنية والقومية التي رافقت أيام المعركة…
بقي أن الفن التشكيلي ساير الحرب وعناصرها ورصدها باللون بالفرشاة والحجر…..
ختاما إن الحديث عن حضور حرب تشرين التحريرية في الإبداع- بكافة مجالاته -والفن السوريين لايمكن أن نحيط به بهذه العجالة السريعة…وحسبنا أننا قدمنا أمثلة عما أثرت به هذه الحرب…وقصدنا الأدب والفن التمثلي والمسرحي والموسيقي والغنائي والتشكيلي…ولعل بانوراما حرب تشرين التحريرية في دمشق يغني ذكرها عن كثير من الكلام…..
العدد 1210 – 22 – 10 -2024