الملحق الثقافي-سعاد زاهر:
كانت بالكاد قادرة على قراءة بعض الجمل واستيعابها، أحاسيسها مكبلة تماماً بمشاعر الفقد عاجزة عن إبعادها مهما فعلت، حاولت العودة إلى الكيبورد وشعرت بامتنان عميق أنها تكتب عليه فهي عاجزة بالتأكيد على الضغط على القلم كي يخط كلمات لطالما خرجت من داخلها إلى الورق مباشرة.
كل الأحداث الموجعة تجتمع لتحدث دفعة واحدة كأنه قانون لا نعرف كيف يفرض نفسه على مسيرة حياتنا، ويكبلنا في لحظة فنصبح عاجزين حتى عن أخذ نفس ولو قصيراً، حينها تتحرك في مساحة متناقضة، محاولاً إعادة الأنا وتفاعلاتها مع دفقة الحزن غير المتوقعة.
كلما دفعتها بعيداً، تلتصق بك وتحاصرك صور الألم تهجم عليك وتسد منافذ الحياة، تتذكر كل تلك التجارب التي قرأتها تفتح الكتب محاولاً التخلص من ضيقك، الروايات المترجمة، كتب تنمية بشرية، تلجأ إلى بعض الأصدقاء سرعان ما تشعر في لهجتهم لغة العجز.
حين تتدافع الأوجاع لا تلسع سوى صاحبها، وكل بوح بمثابة خذلان ليس وقته أبداً وأنت تصارع كل هذا العجز، ولا تملك إمكانية الإفلات من اللحظة، تنقب عن الحل، وحين تبدأ تحاول رسم صور ذاتية لمعاناتك، حتى إن كنت تكتب عن الأنا المتدهورة، الموجوعة، الملازمة للانكسار، تشعر أنك على الأقل قمت بفعل مواجه ما، مع هذه الذات المستسلمة، كي تبعد عنها شبح التنقيب عن الحزن كمن وجد ملاذه.
مهما بلغت أقصى عتبات الألم فإنك طالما على قيد الحياة مضطر للمواجهة، للتعايش وللتأقلم مع وضعك المأزوم حد الفجيعة، تلك الكلمات التي تبدأ بكتابتها أيا كانت الوسيلة تشعر أنك تنظف روحك، تبعثر ألمك، بالتأكيد لن تشفى سريعاً.
سيمر وقت طويل بالكاد تمتلك فيه إمكانية النهوض، لكن مع مرور الوقت ومع استمرارنا بالكتابة بزج الكلمات في خضم حزننا، إنها هبة لم نتخيل يوما مدى اتساع فضاءاتها التي تقينا وتشفينا، كأننا رغم كل شيء عدنا للحياة من جديد وها نحن نزهر على مهل مرددين كان يجب ألا ننتظر فجيعة كي نعود للتفاوض مع الكتابة.
العدد 1210 – 22 – 10 -2024