الثورة _ منال السماك:
عن غير قصد يؤذي بعض الآباء والأمهات أبناءهم نفسياً من خلال ممارسة الضغط عليهم بشتى الوسائل، لتربيتهم على طرق تقليدية تربوا عليها، متجاهلين تغير الزمن وإيقاعات الحياة المعاصرة، التي فرضت طرقاً حديثة للتربية، حيث يصر البعض من الأهل على محاصرة أبنائهم بما يظنونه حرصاً وخوفاً عليهم، فيتخذون القرارات عوضاً عنهم، ويطالبونهم بتحقيق النتائج الدراسية، التي تفوق قدراتهم وإمكانياتهم، ويرسمون ملامح مستقبل كما يحلمون هم متجاهلين رغبات أبنائهم، ما يؤدي إلى معاناة وضغط نفسي قد يستمر إلى مراحل النضوج، وعوضاً عن تنشئة طفل بمواصفات مثالية كما يطمحون، سيكون مستقبلاً لديه مشكلات نفسية من إنتاج أهل مسيطرين يحبون أبناءهم بطريقة خاطئة.
تحكم الآباء يضر الأبناء
كشفت دراسة بريطانية أن الآباء الذين يتحكمون بحياة أطفالهم يمكن أن يتسببوا لهم بالكثير من المعاناة النفسية، والتي تمتد لمراحل متقدمة من أعمارهم في المستقبل، وأشار القائمون على هذه الدراسة إلى أن الآباء الذين يمارسون السيطرة على أبنائهم ويتحكمون نفسياً بأطفالهم قد يدمرون فلذات أكبادهم طوال حياتهم، كما أن المبالغة في عدم السماح للطفل باتخاذ قراراته بنفسه، وانتهاك حريته أو محاولاته للتفكير المستقل في شؤونه تؤدي إلى إحداث ضرر لا يستهان به بصحته النفسية.
وقد أوضح الباحثون أن تحكم الآباء بشكل مبالغ به، وممارسة ضغوط نفسية على الطفل، مرتبطان بعدم رضا الإنسان عن حياته عندما يكبر، وإصابته بمشكلات بصحته النفسية، بينما يعيش الأشخاص الذين هيأ لهم آباؤهم حياة مليئة بالدفء الأسري، وقاموا بتوجيههم وتشجيعهم على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، حياة تتسم بالرضا وحالة نفسية أفضل.
وأضافت الدراسة أن الأثر النفسي لتسلط الوالدين من عدمه، يستمر مع الإنسان حتى في مراحله العمرية المتقدمة.
تفاعل آمن
وعن الفرق بين الرعاية الصحيحة وغير الصحيحة للأبناء أكدت الاختصاصية بالإرشاد النفسي دعاء الحلبي لـ»الثورة» أن هناك رعاية وتربية غير صحيحة، والأهل قد يخطئون ربما لأنهم نشأوا بهذه الطريقة فظنوا أنها طريقة صائبة، ولكن سيكونون مخطئين إذا لم يسعوا إلى تصحيح طريقتهم إلى طريقة إيجابية وقواعد وأساليب حديثة وصحيحة، فالرعاية الصحيحة تتلخص بالتشجيع والتفاعل والاهتمام والاطمئنان والأمان النفسي، فبدلاً من تأنيب الطفل لعدم حصوله على درجات عالية في دراسته، ينبغي تشجيعه كي لا يخاف ويخفي نتيجته، وعدم اللجوء إلى التهديد والتخويف، وبذلك تبنى جسور من التفاعل الآمن بعيدًا عن الضغط النفسي.
شعور بالفشل
وأشارت الاختصاصية الحلبي إلى أن بعض الأهل يقعون في خطأ الرعاية غير الصحيحة، وذلك عندما يضعون الأبناء تحت ضغط نفسي متواصل لتربية طفل مثالي، متفوق في دراسته ومطيع لا يناقش والديه في قراراتهما التي تخصه، والتي لا تعبر عن رأيه، ما يجعل منه شخصًا مهزوزاً ضعيف الشخصية، ويعمل على إخفاء أسراره واللجوء إلى الكذب، وسيجده الأهل أنه ذو شخصية مغايرة تمامًا عن شخصيته مع الغير، كما أنه سيكون لديه شعور دائم بالفشل لأنه يشعر أنه لا يحقق الأهداف التي وضعها الأهل له، وبالتالي سيكون تحت ضغط نفسي دائم ومتواصل.
أبناء بصورة مشرفة اجتماعياً
وعن أسباب لجوء الأبوين للضغط النفسي على أبنائهم أوضحت الحلبي أن هناك عدة أسباب، منها المكانة الاجتماعية حيث يخشى الأهل أن يهدد أبناؤهم مظهرهم الخارجي أو وضعهم الاجتماعي، بفعل تصرف خاطئ، بينما هم يريدون أن يكونوا بصورة مشرفة لهم أمام المجتمع، كذلك الحالة التنافسية، فيتنافس الأهل مع غيرهم من الأهالي، عن طريق أبنائهم فيريدون أن يكون أبناؤهم الأجمل والأنجح والأكثر تهذيباً، ما يسبب ضغطاً نفسياً شديداً على الأبناء، وكذلك الخوف من الانتقاد ومخالفة النمطية المجتمعية المتوارثة، وخاصة في مجال الاهتمام بالشكل الخارجي ومسايرة الذوق العام.
تأثيرات نفسية سلبية
أما عن تأثير الضغط النفسي فأوضحت أنه بالنسبة للأطفال فينعكس من خلال الكوابيس واللجوء للعزلة وعدم المشاركة الاجتماعية، والخمول وفقدان الاهتمام خوفاً من عدم تحقيق تطلعات الأهل، والصعوبة بالنوم، والمزاج السيئ من خلال نوبات البكاء والغضب والعصبية المفرطة، بينما تظهر تأثيرات الضغط النفسي على البالغين بانعدام الثقة بالنفس وعدم احترام الذات، والإصابة بالاكتئاب وربما إيذاء النفس والعدوانية والمواقف الدفاعية.
مساحة من الحرية
وتوجهت المرشدة النفسية بنصيحة للأهل، مفادها: أن الصحة النفسية للأبناء هي مسؤولية الأهل والمدرسة وينبغي الحفاظ عليها دومًا من خلال توفير الرعاية الصحيحة والمناسبة، وعدم الضغط عليهم وتوفير مساحة من الحرية في اتخاذ القرارات تحت إشراف الأهل وتوجيهاتهم.