العودة إلى أحضان المحميات

ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
يستعيد الحضور العسكري الغربي في المنطقة زخمه من خلال النبش في رماد منسياته، بعد سنوات وربما عقود من الانكفاء إلى حدود التلاشي تقريباً، أو في الحد الأدنى استبعاده من الأجندات الغربية على مدى عقود خلت،

وتتعدد الوسائل والطرق من الاحتلال المباشر وصولاً إلى القواعد العسكرية، لكنها في نهاية المطاف توصل الأمور إلى النتيجة ذاتها دون فروق تذكر.‏

حدود التماس بين ما استولدته الهيمنة الغربية في عقودها الأخيرة بسطوتها السياسية والاقتصادية، والارتباط بجملة من الاتفاقات العسكرية المباشرة وغير المباشرة، وبين العودة إلى أحضان المحميات عبرالقواعد العسكرية بأشكالها البحرية والبرية تميط اللثام عن فنون التورية السياسية والإعلامية والدعائية على وقع ما تشهده المنطقة من تطورات متسارعة تعيد رسم إحداثياتها السياسية والجغرافية.‏

المسافة الفاصلة بين إقامة القواعد العسكرية وبين فقدان الجدوى من الارتباطات المباشرة وغير المباشرة لا تكفي لقراءة أبعاد ومخاطر ما يجري خلف الكواليس من أنماط تكرس الواقع القائم بتشظياته السياسية، وقد حفرت في تفاصيله عناوين إضافية للهيمنة تحت بنود تتعدد وربما تتلون لكنها لا تتغير ولا تتعدل.‏

اللافت، أن الإعلان عن إقامة تلك القواعد جاء متوافقاً مع خارطة توضع على الطاولة الغربية لتقاسم النفوذ الأميركي الأوروبي في منطقة الخليج، حيث المشيخات تتسابق إلى إعلان البدء بتنفيذ إقامة تلك القواعد، فالسعودية وقطر تتبع عملياتياً وواقعياً للنفوذ الأميركي بعدد لا يحصى من القواعد والانتشار العسكري، فيما جاءت مملكة البحرين «العظمى» من نصيب بريطانيا، لتحظى الإمارات بالحقيبة الفرنسية.‏

الاختلاف بين ما يجري من تموضع للنفوذ الغربي اليوم وما كان يتم في العهود الغابرة، لم يذهب باتجاه فرض خرائط على نمط سايكس بيكو، بل استفاد مما هو موجود منها، وتقاسمها على أرض الواقع في محاولة لتثبيت نقاط التمركز الجديدة، بعد أن وجد أن إعادة رسم خرائط وفرض إحداثيات جديدة يمكن أن يوصل إلى أماكن لا يستطيع معها الغرب أن يفرض إحداثياته وفق مصالحه وأطماعه، أو على الأقل بأن جزءاً اساسياً منها لا يتوافق وأطماعه في المنطقة ولا يفيد في تثبيت هيمنته، خصوصاً أن الكثير من مشاريعه التي كان يعدها قد أصيبت بالفشل أو بالعجز الكلي أو الجزئي.‏

وهذا ما تزامن مع تصادم الأطماع الغربية بمحددات وجودها، وتحول جزء منها إلى تحديات ذات أبعاد استراتيجية، وجاءت التفاصيل خارج سياقها التقليدي المعتاد، ففضلت الكثير منها العودة إلى الأدراج القديمة، ونفض الغبار عن مفاهيم السطوة والهيمنة ومجسماتها على الأرض من خلال القواعد العسكرية، التي حولت وتحول ما بقي من مشيخات الخليج محميات غربية تحت شعار مواجهة الخطر المحدق بها، والتصدي للتحديات الناتجة عن تدحرج كرة الأحداث خارج سياقها المرسوم له، وبما يتعارض مع مفهوم السيطرة على المنطقة بنماذجه المحدثة.‏

ما يزيد من المفارقات أن تلك القواعد جاءت في توقيت يزيد من مأزق العقل الغربي ومفهوم التسويق لأطماعه ومشاريعه تجاه المنطقة، حيث الصفقات الاقتصادية وعقود التسليح المتزايدة لا تفي بالغرض، ولا تستطيع أن تواجه الخلل في معادلات المشهد الدولي، فأوروبا العاجزة عن حماية ما تبقى من شيخوختها لا يمكن لها أن تعيد الشباب إلى محمياتها حتى لو كان عن طريق القواعد العسكرية المباشرة.‏

الأخطر هو ذلك الوهم الذي يستبيح المشهد الخليجي، على وقع ما تشهده المنطقة، متناسين بأن تلك القواعد لا يمكن لها أن تحمي انزياحاً تاريخياً آن آوانه، ولا حتى أن تؤجله ولو كان لبعض الوقت، سواء كانت هناك قواعد أم لم تكن، وسواء استقوت بالغرب وجحافل وجوده العسكري، أم فضلت اللجوء إلى المداورة في الزوايا والانعطاف، حيث ما عجز عنه التاريخ لن تقوى على مقاومته الجغرافيا، وما بطل بحكم الوجود الوظيفي لن تعيده وصفات القواعد العسكرية، وما أفسده انتهاء الصلاحية لن تقوى على النفخ في رماده خيارات الأدراج القديمة.‏

 

a.ka667@yahoo.com

 

المصدر: صحيفة الثورة

 

آخر الأخبار
تشكل محطةً فارقةً في مسار العلاقات .. الشيباني يصل إلى واشنطن في زيارة رسمية وصول أول باخرة تحمل 50 ألف طن من الأرز قادمة من الصين.  بدعم أردني – أميركي.. الخارجية تعلن خريطة طريق شاملة لإعادة الاستقرار إلى السويداء  "نحو إنتاج زراعي اقتصادي".. في ورشة عمل بحمص  زيارة ميدانية ودعم لاتحاد الشرطة الرياضي  سوق المدينة يعود إلى " ضهرة عواد " بحلب  "وجهتك الأكاديمية" في جامعة اللاذقية.. حضور طلابي لافت وفد سعودي في محافظة دمشق لبحث فرص الاستثمار بتخفيضات تصل إلى 50 بالمئة.. افتتاح معرض "العودة إلى المدارس " باللاذقية أردوغان: ملتزمون بدعم وحدة واستقرار سوريا  الذهب يواصل ارتفاعه محلياً وعالمياً والأونصة تسجل 42.550 مليون ليرة سوريا: مستعدون للتعاون مع "الطاقة الذرية" لمعالجة الملفات العالقة التأمين الصحي.. وعود على الورق ومعاناة على الأرض "تجارة ريف دمشق" تبحث مع شركة تركية توفير الأدوية البيطرية   قرار ينصف المكتتبين على مشاريع الإسكان مراقبون تموينيون جدد .. قريباً إلى الأسواق  جاليتنا في "ميشيغن" تبحث مع نائب أميركي الآثار الإنسانية للعقوبات  "الشيباني والصفدي وباراك" يعلِنون من دمشق خطة شاملة لإنهاء أزمة السويداء 4 آلاف طن  إنتاج القنيطرة من التين خطاب يناقش مع لجنة التحقيق بأحداث السويداء المعوقات والحلول