ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســــــم:
يبدو أن وزير الحرب الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد لم يقصد حين وصف أوروبا بالقارة العجوز الغمز من قناة شيخوختها السياسية، بقدر ما كان يعني توصيفها بالعاجزة،
وتأتي ممارساتها الحالية لتؤكد هذا التوصيف بالتحديد، حين تستخدم مصطلحات بائدة، تعود عبرها إلى النبش في أدراجها القديمة عن أوراق وملفات مستنسخة مفردات من العهد الاستعماري.
وجاء الموقف الأوروبي من الأحداث في سورية ليميط اللثام عن تراكمات الترهل المتوارث في السياسة الأوروبية، رغم من تبديه من عبث سياسي أقرب إلى الخلط بين الأطماع الاستعمارية والرغبات الشخصية لساساتها..!
المعضلة في الفهم الأوروبي لقضايا المنطقة أن أوروبا تتعاطى معها من زاوية واحدة، لا ترى كل ما فيها من تشعبات وأبعاد إلا من خلالها، إلى حد باتت فيه الرؤية محكومة بأطماع الماضي، كما هي مسيّرة في نهاية المطاف لتكون في خدمة الأميركي، وكل محاولات خروج أوروبا من هذه الشرنقة باءت بالفشل الذريع، بل في بعضها كانت وبالاً على الشعوب الأوروبية كما هي على شعوب المنطقة.
الأخطر في هذا السياق ما يندرج اليوم تحت شعارات المقاربة الأوروبية لدورها في تلك القضايا التي غالبا ما كانت نتاج سياسات استعمارية بالأصل، وأضافت إليها حالة التهور من ساسة أوروبيين فضلوا مصالحهم الشخصية النفعية على مصالح شعوبهم، حتى أن بعضهم سخر نزواته الذاتية لتكون سياسات بلاده على مقاس تلك الأطماع الشخصية و بنى موقفه من الصفقات والاتفاقات والمعاهدات والدول على توافقها أو تعارضها مع تلك الغايات، وليس على قاعدة خدمة المصالح المتبادلة بين الشعوب والدول.
ورغم انكشاف فائض النفاق لدى أوروبا وتحديداً دولها ذات التاريخ الاستعماري البغيض كفرنسا وبريطانيا ومزايدتها في بعض الأحيان على الأميركي، فإنها لا تداري فضائحها ولا تتستر على عجزها، وهي حين تسطر رسائل أكبر من قدرتها السياسية وأكبر من طاقتها على تحمل تبعاتها، فإن دخولها على الخط بهذا الشكل الملتوي والأعرج يتزامن مع محاولة اصطياد في الماء العكر، قد أفقدها ماتبقى لها من رصيد في الميزان السياسي للعلاقات الدولية، خصوصاً في مرحلة يبدو أن اوروبا السياسية لم تعد هي فقط من الماضي، بل مقارباتها والكثير مما تطرحه.
فمن يتابع اللعق الفرنسي لما تبقى من فتات لأوروبا على مائدة المجتمع الدولي، ومن يقرأ اللهاث البريطاني محاولاً التقاط ما ينثره الأميركي من بقايا سياساته، يستطيع اليوم أن يقرن ذلك بالقاع الذي تجول فيه القرارات الأوروبية، ومساحة العجز التي تطول أغلب مفاصل الحياة السياسية، حيث العوز الأوروبي أوصل قادته إلى ارتكاب الحماقة السياسية تلو الأخرى وصولا إلى المنحى الذي اتخذه الأوروبيون في اجتماعهم الأخير بشأن سورية والذي يعكس حالة الفاقة لدى القرار الأوروبي، بحكم ما مارسه من تجن على كافة الصعد والمستويات.
لا نعتقد أن أحداً يجهل ما تقتضيه مسألة العجز, ولا ما تفرضه طقوس الشيخوخة التي أوصلت أوروبا إلى لعق الكثير من مبادئها، أمام مصالح وأطماع استفاقت على وقع الشعور بما آلت إليه الزوايا المهملة التي تنتظرها في حقبة المعادلات الجديدة، لكن في الوقت ذاته سيكون من الصعب على الأوروبيين أنفسهم فهم الكثير من قرارات قادتهم، فالخوف والهلع الذي يدّعونه ويزعمون أنهم باتوا يستيقظون ويُمسون على هاجسه، لا يستوي مع الإصرار على الكذب وتجاهل الحقائق، وفي مقدمتها أن سياساتهم هي التي قادت إلى تفشي الإرهاب، وإصرارهم عليها سيزيد رقعة انتشاره.
ونستطيع أن نجزم بأن أوروبا من باب ساستها إلى محراب صبيتها تدرك ذلك، ومن أقصى يمينها إلى ذروة يسارها تتلمس عواقب ما أنتجته سياستها في تجاهلها وانسياقها وراء الرغبات الأميركية، أو التصاقها بصفقات المال الخليجية، وما تمارسه برعونة بعض المتنفذين داخل دولها يقود إلى تفاقم الكارثة التي تطرق الأبواب الأوروبية بإصرار.
الأدهى، حين تعود أوروبا إلى التشدق بشعاراتها والتباكي على حال السوريين، وهي التي أوغلت في نكء جراحهم عبر دعم الإرهابيين وتسهيل حركة عبورهم وتأمين التغطية السياسية لمموليهم، من مشيخات الخليج وتركيا وغيرها من الدول الوظيفية الأخرى في المنطقة.
لكن كما يقولون في أرذل العمر يصبح كل شيء من وقع التمنيات وأضغاث الأحلام، والتحسر على ما مضى، في وقت تسارع مطرقة الشيخوخة إلى محاصرة الأفق الأوروبي مع سندان العوز السياسي والفاقة الفكرية التي تهدرها أطماعها على قارعة المشهد الدولي.
a.ka667@yahoo.com