ما يحدث في غزة لم يعد يعني أهلها وأهل فلسطين وإنما يعني شعوب العالم التي عانت من الاستعمار يذكر الإفريقي بمستعمريه ويذكر الأميركي اللاتيني سارقي ثرواته ومنفذي الانقلابات على حكوماته الشرعية وكذلك الفيتنامي والكمبودي وغيره أنه تذكير بعصر الثورات والانتصارات وحركات التحرر لقد أيقظت معركة الطوفان الذاكرة الجمعية بمن كان الغرب يفعله ضدهم في عصور الاستعمار ويشعرهم أن معركة غزة معركتهم وأنهم معنيون بنتائجها وتداعياتها، وكذلك نشير إلى أن المنزعجين مما يجري في غزة ولبنان هم الغرب وأعوانه بل ويتهمون المؤسسات الدولية بالانحياز للفلسطيني واللبناني المقاوم وهي المنظمات التي كانت في الأساس صناعتهم وتصميمهم وكانت غالبا تنحاز لطرفهم لا لقضايا تلك الشعوب بالرغم من عدالتها وميثاقيتها، فالأمم المتحدة ومجلس أمنها طالما اتحدت في مواجهة قضايانا بحكم السطوة الغربية عليها ولاسيما في عصر الاستعمار، حيث لم تكن أغلب دول العالم الثالث أعضاء فيها، وهنا نشير إلى أن قرار تقسيم فلسطين عام 1947 صوتت لصالحه 33 دولة من مجموع 57دولة أغلبها دول استعمارية آنذاك في حين عدد الدول الأعضاء حالياً تقترب من 200 دولة وبحكم التحول الحاصل في عدد الدول ومواقفها أصبحت اليوم متهمة من الكيان الصهيوني بلاساميتها في حين أنها هي من منحت إسرائيل شهادة ميلادها غير الشرعي، فعندما كانت الأمم المتحدة تسكت أو تزين جرائم إسرائيل كانت منسجمة مع ميثاقها وعندما قامت بعكس ذلك وأدانت الاجرام الصهيوني اصبحت متهمة باللاسامية.
فلولا أن موازين القوى الدولية بدأت تتزحزح بعيداً عن المركزية الغربية الأميركية ما كان لكثير من الدول أن تصوت لصالح القضية الفلسطينية، وهذا لا ينطبق على مجلس الأمن بحكم هيمنة القوى الكبرى وتحول أميركا إلى مندوب دائم للكيان الصهيوني في مجلس الأمن يضاف إلى التحول في الموقف الدولي هو عزلة كل من أميركا وإسرائيل وانكشاف مواقفهما المعادية والمتنكرة لحقوق الشعب الفلسطيني في حين يتشكل موقف دولي واسع داعم لتلك الحقوق ومطالباً بقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها مدينة القدس.
إن الجدار السميك الذي كانت تستند إليه إسرائيل والمتمثل في مساندة الدول الأوروبية الغربية وأميركا بدأ يتفكك حيث شهدت الفترة الماضية مواقف أوروبية غربية داعمة لحقوق الشعب الفلسطيني وتعترف بدولة فلسطين وحل الدولتين، وهذا يمثل بداية تحول مهم في البعد الدولي للصراع، فثمة شيء جديد يحدث يجب استغلاله وعدم التقليل من أهميته وما كان لهذا أن يحصل لولا معركة طوفان الأقصى والتضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني ومسانديه وداعميه في معركته المشروعه لنيل حقوقه المغتصبة وهذا النضال وتلك المقاومة تحتاج إلى تعزيز عبر الفعل الشعبي والسياسي والإعلامي وغيره.
إن تحولاً استراتيجياً حصل في موضوعة الصراع بين الفلسطينيين والصهاينة كرسته معركة طوفان الأقصى هو بروز أبعاده الأساسية وهي الوطني والقومي والإسلامي والدولي وأن القضية الفلسطينية هي قضية لا تعني الفلسطينيين فقط وإنما قضية العرب والمسلمين وقضية تحرر عالمي، وهذا ما أربك الصهاينة وأوقعهم في دائرة الحيرة حيث عملوا طويلاً على حصر الصراع في دائرته الضيقة بل وتفكيك عناصره واللعب على ثنائيات غزة والضفة وعرب 48 و 67 وغيرها لجهة وضع اسفين بين مكونات الشعب الفلسطيني ووحدته الوطنية فحصل عكس ذلك تماماً حيث برزت الأبعاد الحقيقية للصراع ما جعل قادة العدو يتحدثون عن سبع جبهات للقتال ويستحثون بل ويستجدون الغرب في حديثهم عن أنهم يخوضون حرباً بالنيابة عنهم، وهذا يعكس حجم المأزق والحفرة التي وقعوا فيها ولم ولن يستطيعوا الخروج منها ويولوا الأدبار بعيداً عنها فقد حانت لحظة الحقيقة.
التالي