نضال بركات:
قبل أسابيع من تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة, جاء قرار بايدن السماح لأوكرانيا باستهداف العمق الروسي بصواريخ أمريكية بعيدة المدى, في خطوة تصعيدية جديدة ضد روسيا التي هددت بأن مثل هذه الخطوة ستغير طبيعة الصراع ونطاقه , وفق ما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الغرب سيكون في مواجهة مباشرة مع روسيا إذا سمح لأوكرانيا بضرب الأراضي الروسية بصواريخ بعيدة المدى غربية الصنع ويبلغ مداها الأقصى عدة مئات من الكيلومترات ويمكن أن تستهدف مواقع لوجستية للجيش الروسي ومطارات تقلع منها مقاتلاته, وهنا تكمن الخطورة لأن انطلاق الصواريخ الأمريكية وتحديد مسارها سيكون تحت إشراف الدولة المنتجة أي الولايات المتحدة لأنها تحتاج إلى أقمار اصطناعية ومعلومات استخباراتية, وهو ما يؤكد اشتراك الولايات المتحدة في هذه المعركة بشكل مباشر, في خطوة تعد الأخطر على السلم والأمن الدوليين, ومن غير المستبعد أن يكون الرد الروسي نوويا أو حتى ردا تكتيكيا نوويا، عندها ستكون تلك هي شرارة اندلاع الحرب العالمية الثالثة.
إن خطوة بايدن، والتي ذكرت صحيفة “لو فيغارو” لاحقا أن بريطانيا وفرنسا انضمتا إليها، تعد تورطا مباشرا لهذه الدول في الصراع الأوكراني وهجوما صريحا على روسيا، كما قال الرئيس بوتين سابقا, ووفق الصحيفة وبصرف النظر عن نفي أنباء المشاركة الأوروبية وتعديل نبأ السماح بضرب الصواريخ قبل تنصيب ترامب، سيتم توجيه ضربة صاروخية على روسيا، وستكون ضربة حساسة قدر الإمكان، أملا في ألا يتمكن بوتين من الامتناع عن الرد بنفس الضربة المباشرة على الولايات المتحدة، الأمر الذي يمكن أن يسفر عن صراع مباشر بين روسيا والولايات المتحدة، وربما بين روسيا و”الناتو , ونتيجة للتصعيد الخطر وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً بالموافقة على عقيدة نووية محدثة تحدد أساسيات سياسة روسيا في مجال الردع النووي.
وتشمل التعديلات الجديدة “توسيع فئة الدول والتحالفات العسكرية التي يتم تنفيذ الردع النووي بشأنها، وإضافة عناصر جديدة بقائمة التهديدات العسكرية التي تتطلب مثل هذه الأعمال لتحييدها, وهذه التعديلات الجديدة تسمح باستخدام الأسلحة النووية في مواجهة “عدوان من دولة غير نووية, لكنه تم بمشاركة أو دعم دولة نووية”، لأن ذلك “سيعتبر هجوماً مشتركاً على الاتحاد الروسي, كما تشمل إمكانية أن ترد روسيا بأسلحة نووية “في حالة وجود تهديد خطير لسيادتها ولو بأسلحة تقليدية، وفي حالة الإطلاق الهائل للطائرات العسكرية وصواريخ كروز والطائرات بدون طيار وغيرها من الطائرات وعبورها الحدود الروسية”.
إن العقيدة النووية الروسية المحدثة هي محاولة من موسكو لرسم “خط أحمر” للولايات المتحدة وحلفائها من خلال الإشارة إلى أن موسكو ستدرس الرد باستخدام أسلحة نووية إذا سمحت تلك الدول لأوكرانيا بضرب عمق روسيا بصواريخ غربية بعيدة المدى, ولهذا هددت برد “مناسب وملموس” على القوى الغربية التي تدعم أوكرانيا عسكريا, وفق ما أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف.
وإذا كان قرار بايدن وفق مااأدعى بأنه جاء ردا على استقدام روسيا حوالي 12 ألف مقاتل من جيش كوريا الشمالية، للقتال إلى جانب القوات الروسية في الخطوط الأمامية، فإن هذا الإدعاء ليس سوى ذريعة لأن العودة الوشيكة لترامب إلى البيت الأبيض وقراره إنهاء الحروب تثير المخاوف بشأن مستقبل الدعم الأمريكي لأوكرانيا, وبالتالي فإن خطوة بايدن قد تعيق أي تقارب محتمل بين ترامب وبوتين مستقبلا, وقد تكون خطوة بايدن أبعد من ذلك أيضا من خلال نيته في ربط ترامب قدر الإمكان بأجندة السياسة الخارجية، ما من شأنه أن يشلّ أنشطة سياساته الداخلية.
بكل الأحوال فإن التحدي الأهم الذي أراده بايدن من خطوته في حال أقدمت كييف على ضرب عمق الأراضي الروسية، وردت موسكو بقوة هو فرض واقع جديد على ترامب وفريقه بعد دخوله البيت الأبيض لأن الحرب ستتخذ منحى مختلفا عن السابق، لا يمكنه التراجع عنه أو الانسحاب منه. إضافة لمنح كييف “الثقة” بأن واشنطن لن توقف دعمها، بعد التخوف أوروبيا من تراجعه، بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية.
وأمام هذه التطورات الخطيرة, هل يمكن لقرار بايدن فرض واقع جديد على ادارة ترامب؟ وفي حال تم ذلك وأقدمت أوكرانيا على استهداف الأراضي الروسية, فإن حربا كبرى قد تندلع وستكون كل الاحتمالات الخطيرة لنوعية هذه الحرب واردة, وبالتالي فإن العالم بأسره يترقب كيف ستكون السياسة الأمريكية في عهد ترامب بعد دخوله البيت الأبيض في العشرين من شهر كانون الثاني.