الثورة – منال السماك:
في ذاكرة ضحايا العنف الأسري الكثير من القصص المؤلمة، ظلت حبيسة خلف الأبواب المغلقة يعاني ضحاياها بصمت، فالجاني أقرب الناس يمارس العنف على أفراد أسرته من دون أن يجد من يردعه أو يحاسبه، فكم من شاب أو فتاة عانوا منذ الطفولة من عنف أب أو أم أو أخ كبير، والتبرير تأديب وتربية ضمن قوالب اجتماعية نمطية تبيح استخدام العنف بين أفراد الأسرة.
وكم من امرأة تعرضت لنوع من أنواع العنف من قبل زوج أو أهله، ولكن بقي صوتها خافتاً، وظلت راضخة لمعنفها، خشية اتهام مجتمعي أو انفصال زوجي وحرمان من الأبناء، فالعنف الأسري ما زال ينخر بجسد الكثير من الأسر في مجتمعنا، في ظل بيئة قانونية لا يوجد في قوانينها تعريف واضح للعنف الأسري، ولا تجرم مرتكبه أو تعاقبه، إلا إذا أدى إلى ضرر جسدي أو أفضى إلى موت، أو في حال علا صوت ضحية رافضة لعنف يهدد الحياة من سلامة جسد أو أذى نفسي، ليبقى المجتمع مجرد متفرج على حالات متنوعة من العنف الأسري، ولا يجرؤ على التدخل بحجة أن المشكلة من خصوصيات العائلة، وربما تخرج مشاهد العنف الأسري من حدود البيت لتمارس علنا وبكل جرأة وفظاظة، وإن لم تلجأ الضحية إلى القضاء يبقى المعنف طليقا مستمراً في فنون التعنيف والتعذيب.
تصرفات مسيئة
للحديث عن ظاهرة العنف الأسري من وجهة نظر قانونية وكيف يعاقب القانون السوري مرتكبي العنف ضمن العائلة، التقت صحيفة الثورة المحامي الأستاذ نشأت الحج، الذي أوضح أن ظاهرة العنف الأسري من الظواهر الاجتماعية المنتشرة في المجتمعات الإنسانية المعاصرة كافة، وهو شكل من أشكال التصرفات المسيئة الصادرة من قبل أحد أفراد الأسرة في العلاقة الأسرية، وله عدة أشكال، منها الاعتداء الجسدي أو التهديد النفسي أو الاعتداء الجنسي أو العاطفي وغيره، وقد يقع من أفراد الأسرة تجاه بعضهم البعض أو من أفراد أسرة الزوجة أو الزوج تجاه الكنة أو الصهر وتتعدد صوره وأشكاله.
لم يذكر بشكل صريح
وإذا كان السؤال، كيف ينظر القانون السوري للعنف الأسري، أجاب المحامي الحج بالقول: إن القانون السوري لم يأت على ذكر العنف الأسري بشكل صريح، وإنما حمى القانون الأفراد من العنف بشكل عام، بغض النظر عن كونه نابعاً من الأسرة أو من خارج الأسرة، وجاء في باب الجنح والجنايات الواقعة على الأشخاص في قانون العقوبات الممارسات التي تمارس على الأفراد ويعاقب عليها القانون بداية من القدح والذم والتحقير مرورا بالإيذاء وانتهاء بالقتل.
وأشار المحامي الحج إلى أن هذه الحماية التي فرضها القانون على الأفراد بشكل عام، أما ما يتعلق بالأسرة وتحديداً الأطفال، كونهم من أضعف أركان الأسرة، فقد سن المشرع السوري القانون رقم ٢١ لعام ٢٠٢١، وقد جرم هذا القانون أساليب التعذيب الواقعة على الأطفال، وفرض عقوبات وغرامات على ممارسي هذه الأفعال بحق الأطفال، وشدد العقوبات إذا كانت الممارسة من قبل من له رعاية الطفل، كونه لا يستطيع الدفاع عن نفسه، وغير قادر على معرفة حقوقه، فقد توجه هذا القانون إلى مؤسسات الدولة والمجتمع، لرعاية الطفل وحماية حقوقه بجميع أشكالها، وأيضاً القانون رقم ١٦ لعام ٢٠٢٢ الذي يجرم التعذيب الممارس على الأفراد والذي تصل العقوبة بموجبه إلى الإعدام إذا أفضى التعذيب إلى الموت.
وعن حماية القانون السوري للمرأة بشكل خاص الزوجة، فقد لفت المحامي الحج إلى أن القانون لم يضع شروطاً تحد من إرادتها في استمرار الحياة الزوجية، فقد سمح لها بالمطالبة بالتفريق، وإنهاء الحياة الزوجية وفرض على الزوج أداء حقوقها.
يعاقب في حال الضرر الجسدي أو الموت
ولكن.. هل تصل حالات معظم حالات العنف الأسري إلى القضاء ليتم معاقبة المسؤول عن العنف؟ عن هذا التساؤل بين المحامي الحج بالقول: مما لا شك فيه أن الكثير من حالات العنف الأسري تبقى محبوسة داخل الأسرة، ولا تظهر للعلن لأسباب تتعلق بالفضيحة ونظرة المجتمع، وتدخل الأقارب، لإبقاء هذه الحالات مستترة ضمن دائرة ضيقة من العائلة، وبالتالي يفلت الفاعل من العقاب وتزداد شراسته، كونه لم يجد من يردعه، فتتكرر أفعاله حتى تصل إلى مرحلة لا يفيد معها الندم أو التدخل، فمثلا قد يفضي العنف إلى عجز مؤقت أو دائم، أو في بعض الحالات إلى الموت، وربما قد تصل إلى إصابة الضحية بمرض نفسي، ولكن هناك بعض الحالات تخرج إلى العلن، وقد يتدخل الإعلام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتحول الحالة إلى قضية رأي عام، وبالتالي يتدخل القضاء لفرض القانون عبر محاكمة الفاعل.
لا إحصائيات موثقة
وأشار المحامي الحج إلى أنه حالياً لا يوجد إحصائية موثقة لحالات العنف الأسري، لكن كان من الممكن معرفة إحصائية لهذه الحالات في عام ٢٠١٤، وكان يوجد مراكز رصد لحالات العنف الأسري موزعة في نقاط محددة، كمراكز مشرفة ومشاف ودوائر حكومية، لكن بعد ٢٠١٤ ونتيجة الأزمة التي تعرضت لها البلاد فقدت هذه المراكز ولم تعد فعالة.
بانتظار عقوبات رادعة
وفي نهاية اللقاء أكد المحامي الحج أنه أصبح من الضروري وجود قانون صريح بخصوص العنف الأسري، فقد تم دراسة مشروع قانون تحت مسمى “الحماية من العنف الأسري” عام ٢٠١٧، وكان هذا المشروع يلحظ جميع أنواع وأساليب العنف الأسري، وقد وضع هذا المشروع عقوبات رادعة وزاجرة بحق مرتكبي أعمال العنف ضمن الأسرة، لكنه لم ير النور ولم يصدر حتى اليوم، ربما بسبب حساسية هذا الموضوع من جهة ارتباطه بالأسرة والعائلة، وخصوصاً في ظل المجتمعات المحافظة، إلا أن القانون السوري في حالة تجدد دائم، ومن الممكن أن نرى مثل هذا القانون في المستقبل.