الثورة – رشا سلوم:
تقدم وزارة الثقافة إصدارات مهمة في توثيق التراث السوري، ولاسيما في المناطق البعيدة التي لا يمكن الوصول إليها بسهولة.
وكان أن كلفت عدداً كبيراً من الباحثين السوريين بجمع هذا التراث في مختلف المحافظات والمناطق وأصدرت كتباً مهمة في هذا المجال، ثم اتبعت ذلك بالدورية الفصلية التراث الشعبي التي يرأس تحريرها الدكتور ثائر زين الدين وتقدم باقة مهمة ومنوعة من الدراسات والمتابعات في هذا الشأن.
العدد الجديد الذي صدر منذ أيام حمل الكثير من المواد المهمة وكان لافتاً أن تكتب الدكتورة لبانة مشوح عنواناً مهما حمل التراث الشعبي والتثاقف.
من المعروف أن الكثير من الصراعات التي نشأت عبر التاريخ أدخلت البشر في دوّامة العنف المدمّر، فعرّضت حضارات للاندثار، وتركت في النفوس أثلاماً عزّزت أحقاداً توارثتها الأجيال. نجم معظم تلك الصراعات أساساً إمّا عن تنازع للثروات، وإمّا عن نزاعات عقائدية، وإمّا عن جشع وأطماع بالتوسّع والإثراء والاستقواء والاستبداد.
ومن الصراعات أيضاً ما ينجم عن أفكار مسبقة متوارثة عن الآخر، وهو شعور يتأتَّى غالباً من الجهل بهذا الآخر المختلف ثقافياً، جهل ينمّي إحساساً دفيناً بخشيته والتوجس منه، ومن ثم برفضه أو رفض ما يمثّله من عادات أو قناعات، مما يولّد في الجهة المقابلة شعوراً عميقاً بالتهميش قد يفجّر غضباً سرعان ما يتحوّل أحياناً إلى رفض معاكس وعدوانية، فيصبح الطرفان في حالة من التباعد والتنافر، وربما الصراع الذي إن وقع أصاب الجميع ببلاء وبيل.
تكمن أهمية عناية الشعوب بتراثها اللامادي بما يختزنه من عادات وممارسات ومهارات وطقوس في كونه ركناً أساسياً ومهماً من مكونات الهوية الثقافية للأفراد والجماعات. بل إنه يتجاوز ذلك إلى كونه جزءاً لا يتجزأ من هوية وطنية تجمعهم وتظلّلهم بظلّها. وكلّما تنوّعت عناصر هذا التراث واغتنت، كان هذا دليلاً على ثراء مكونات الهوية الوطنية وأصالتها وتجذّرها، وصار لزاماً حصر تلك العناصر وتوثيقها والتعريف بها وَفْقَ منهجية علمية، دعماً لعملية التنمية المستدامة من جهة، وكأحد أدوات التعارف والتقارب والتثاقف من جهة أخرى.
يتعدى إذنْ توثيق التراث اللامادي في أهدافه حدود صونه، على عظمة هذا العمل ونبل مقاصده. ذلك أن للغوص في بحر التراث وكشف كنوزه، وتحليل تجلياته ودلالاته، والتعريف بها، وإبراز غناها، وتحفيز متعة اكتشاف أوجه الاختلاف وأوجه التشابه بينها… لكل ذلك غاية أبعد وأعمق أثراً، ألا وهي بناء الفكر وترسيخ الهوية الوطنية وتعزيز الانتماء، وبناء صلات تعارف في الوطن الواحد من جهة، وفيما بين الشعوب تعزيزاً لروابطها الحضارية من جهة أخرى. إنه أداة فاعلة في عملية التواصل وتعميق التعارف بين مكونات الوطن الواحد، كما بين أبناء ثقافات متباعدة، وصولاً إلى تثاقفٍ حضاريٍّ يكون بمنأى عن التبعية والهيمنة، تتواءم فيه ألوان الطيف على اختلافها، وتقوى الروابط، ويكتمل جمال اللوحة على الصعيدين الوطني والإنساني.
ومن الموضوعات المهمة في المجلة.
الدامسكو- رئيس التحرير الدكتور ثائر زين الدين، الأغنية الشعبية في الساحل السوري نفثات ألم وأمل- ديب علي حسن، من التراث اللغوي العامي في حوران- د. محمد قاسم، المعارف الطبية في تراث الجزيرة السورية/ القسم2- أحمد الحسين، التقابل الدلالي في المثل الشعبي الجزائري- د. عبد الرحمن بغداد…” وغيرها من الموضوعات.