الملحق الثقافي- شوقي بزيع:
كتب المبدع شوقي بزيع لعشيقة الحضارات الإنسانية وخليلة البحر وأيقونة التاريخ صور، قدرةً على بلسمة جرح عروس الجغرافيا والتاريخ التي كلما أدماها الغزاة انتفضت من تحت الرماد.
والآن يا صور،
أيتها الطعنةُ الأبدية في جسد البحر،
والسقطة المستقيمة نحو الفراغ
الذي يملأ الروح،
آن الأوان لكي أكتب الأغنية
مستعيراً جميع المراثي التي كتبت
في رثاء المدن
أغني لزهرة فينيقيا المطفأة
والثريا التي زينت شاطئ المتوسط
ذات مساءٍ
وأسقطها طائر العتمة الهائلة
منذ أبصر أول أبنائها طائراً
وادّعى أنه الأرض
حتى نهاية هذي القصيدة
أغني لطفلة هذا الزمان الوحيدة
لصور التي لم تعد عاصمة
لصور التي لم تعد قائمة
وأعلن أني نجوت من المجزرة
لأدخلها من جديد على صهوة الحبر،
أن المدينة والشعر ليسا نقيضين،
أن الحبيبين لا يدخلان إلى الحب
إلا وبينهما طلقة واحدة
لذلك كنا نعلق أرواحنا كالثياب على الأعمدة
ونصرخ : ص.. و.. ر
فيُرجعنا بحرُها جثثاً هامدة
لذلك يا صور كنا نحدّق في شمسك الخالدة
ونملأ أعيننا بالدموع،
لكي لا نراك ونبكي..
على الرمل قامت أغانيك،
على الرمل قامت صواريك،
على الرمل كنا نعمّر في الليل أسوار صور
لكي تختفي في النهار،
ونهدم أطرافها كل يومٍ
لنردم صوت الغزاة
على الرمل أنشدت الفتيات :
« جدائلي قصصتُها
ضفائري عفّرتها
جواهري قد بعتها
من أجلك يا صور»
وصور امرأة
تتهادى على صفحة الذكريات
وقد أطبقت كفّها فوق قرطاجةٍ ميّتة
فتاةٌ تغني بصوتٍ حزينٍ
وتقطر من جسمها الهندباءْ
وتلميذة رفّعتها القذيفة من صفها
باتجاه السماءْ……
………….
ونحن الذين تبقوا على رمل صور،
سنصمد فوق حطام المدينة،
أو تحت سطح الخريف الذي اغتالها
وسنجمع أوصالها كطيورٍ خرافيةٍ
ثم نطلقها عبر هذا الخرابْ
ونصمد حتى يكفّ عن الركض
في حدق الشمس هذا الغراب
ونصمد في ملجأ الروح
أو في بيوت التنكْ
ونلقي شبَاكاً على الطائرات
ونسحبها كالسمكْ
ونعصر أوجاعنا فوق شاطئ صور
الذي غربت شمسهُ
ثم ننشرها فوق قبة هذا الفلَك
نحن الذين تبقوا على رمل صور،
الذين استطاعوا النجاة من الزلزلة
سنصنع من نبضها المتبقي
نشيداً لأيامنا المقبلة
على مدخل البحر نكتب أن المدينة لا تنحني
على مدخل القلب نكتبُ
أن المدينة لا تتهدم إلا لكي تنبني
وسنوقف هذا العجوز الذي اسمه الانتصار
على قدمٍ واحدة
ولو بقيت من منازلنا فسحةٌ باردة
ولو بقيت من مراكبنا موجةٌ عائدة
ولو بقيت من مقابرنا لوحةٌ شاهدة
العدد 1215 – 26 – 11 -2024