الثورة – رنا بدري سلوم:
قد يصعب الأمر قليلاً على اختصار تجربة المسرح السوري منذ نشأته إلى يومنا هذا، في محاضرة مدّتها ساعة يحاضرها الناقد المسرحي والكاتب جوان جان، تحت عنوان “صفحات منسيّة من تاريخ المسرح السوري” خلال أيام الثقافة السوريّة، والأصعب حين نلتمس من العنوان ثيمة العتب على إهمالنا المسرح وتأريخه وأرشفة ما مر به خلال تلك الأعوام.
استطاع رئيس تحرير مجلة الحياة المسرحيّة جوان جان أن يدخل دهاليز المسرح في مقالاته المتخصّصة ومتابعته أبي الفنون وما يُطلب من أبنائه البررة للقيام بواجبهم تجاهه أو تقديم ما يلزم الاعتناء به وما يدور على هذه الخشبة في كل المحافظات دون استثناء، ولكنه في محاضرته تلك يقدم لنا بانوراما سريعة عن محافظات انطلق منها المسرح، لمحات تخطفنا إلى بداية البدايات لم نكن قد سمعنا عنها حتى بدءاً من رائد المسرح السوري والعربي أحمد أبو خليل القبّاني الذي حظيت تجربته باهتمام بالغ من قبل مؤرّخي المسرح السوري والعربي، ولكن قبل القبّاني هناك تجارب لم تنل هذا الإشراق وقت ذاك وهو ما استعرضه جان كمسرح خيال الظّل الذي بدأ أواخر القرن التاسع وبداية القرن العاشر، وفقاً لوثيقة يعود تاريخها إلى ١٧٤٩ لطبيب بريطاني كان في حلب وكتب عن بداية خيال الظل، الذي شهده في المدينة في القرن الثامن عشر، قام خيال الظل وقت الاحتلال العثماني بدور سياسي اجتماعي وطني، عام ١٩٦٢ صدر كتاب جميل كنة يتحدث عن عروض خيال الظّل وخاصة أن هناك كانت عروضاً خاصة تعرض في البيوت الحلبية.
ثم تطرّق جان في محاضرته إلى بداية المسرح السوري في عشرينيّات القرن الماضي، ونشاط المسرح المدرسي في حلب أيضاً، ثم في حمص وخاصة مسرحيّة “خالد بن الوليد” التي أثارت ضجة كبيرة في حمص تجلت بمظاهرة كبرى تطالب بالاستقلال، موثقاً جان تاريخ المسرح السوري إلى كتاب ونقاد تابعوا آنذاك تاريخ المسرح مرفقاً العديد من مقتطفات الكتب المتخصّصة في محاضرته لإحياء ذكريات مسرحيّة حقاً كنا قد نسيناها.
من حلب وحمص نعود إلى دمشق التي أسست ١٩٦٠ المسرح القومي في وزارة الثقافة، وأول مسرحيّة قدمها المسرح القومي “براكساجورا” للمخرج رفيق صبّان وهي عن المسرح اليوناني القديم، ومع حلول عقد السبعينيات ـ والحديث لجان- كان المسرح في دمشق قد بلغ ذروة نشاطه كمّاً وكيفاً فقد شهد عقد السبعينيات عدداً من المحطات في رحلة المسرح السوري أبرزها تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحيّة وتوالي إقامة مهرجان دمشق المسرحي الذي انطلق ١٩٦٩ برعاية نقابة الفنانين واعتباراً من الدورة الثالثة بدأت ترعاه وزارة الثقافة كما شهد عقد السبعينيات تأسيس مجلّة الحياة المسرحيّة وتسمية سعد الله ونوس رئيساً لتحريرها، وازدهار المسرح الشعبي بما سمي المسرح التجاري أو مسرح القطاع الخاص.
أما عن المسرح العسكري فقد كان يشغل حيزاً مهما في خارطة المسرح السوري في ستينات القرن الماضي وتألق الفنان محمود جبر آنذاك.
ومن أبرز ملامح الحركة المسرحية في السبعينات وفقاً لجان انطلاق المسرح الجامعي ١٩٧١ وهو المهرجان مازال مستمراً حتى يومنا هذا، إضافة إلى ظهور المسرح التجريبي المونودراما في منتصف السبعينات باكورتها كانت باسم “يوميات مجنون”.
وإن من أهم المظاهر في عقد السبعينات بروز مهرجان مسرح الهواة الذي كانت تقيمه وزارة الثقافة وعقدت دورته الأربع في دمشق ثم في حلب.
وأشار جان إلى أن الكتابة المسرحيّة في عقد السبعينيات كانت تنافسية بين الكاتبين “سعدالله ونوس وممدوح عدوان”، ونذكر أن خلال الفترة ظهر اسم محمد الماغوط ووليد إخلاصي ككتاب مسرح.
استعرض جان في محاضرته صوراً محددة ومنتقاة من تاريخ ثريّ عن المسرح السوري، مؤكداً جان في مداخلتنا على المطالبة بامتلاك المسرح أدواته الفنيّة وتسليط الضوء عليه بعينيّ الإعلام المتخصص لأرشفته حفاظاً على الجهود التي بذلها المسرحيون طوال تلك الأعوام، وكي يخرج من حالة العزلة التي هو قابعٌ بها.