الكاتب والأديب: يعقوب مراد “أدّخرُ دفء دمشق.. لشتاءِ غربتي الطويل”

الثورة – هفاف ميهوب:

في حفلِ تكريمٍ أقامته وزارة الثقافة السورية، خلال زيارته الأخيرة لدمشق عام ٢٠٢٢، وقف السفير السوري في السويد “تميم ملكو” يومها، ليقول عنه:
“كثُرت الألقاب التي استحقّها بجدارة، ولكن أنا الذي أعرفه في السويد أقول: “هو الصقرُ السوري المهاجر الذي دخل وكرَ الأفاعي، وتضرّر كثيراً من أجلِ الكشف عن الحقيقة، والدفاع عن سوريّته وانتمائه”.
إنه “يعقوب مراد”.. الأديب والكاتب المغترب، الذي لم يعد بحاجةٍ إلى تعريفٍ بعد هذه الكلمات.. ذلك أنه معرّف بسوريّته، وبياسمينها الذي عتّقه في قلبه، ومضى يفوح به على مدى غربته.. معرّفٌ بقلمه الذي يعشقها، وبكلماته التي لا تتوقف عن عناقها ولثمِ كرامتها.
هذا ما يشعره من يلتقيه، كلّما زار دمشقه، وهذا ما نشعره بعد غيابه الذي طال، فاضطرّرنا للتواصل معه وسؤاله:
سوريّة هويّتك التي تفتخر بها، فماذا عن دمشق التي تطوّقك بياسمينها؟
سورية هويتي، جذوري، أمّي، قلمي، كرامتي، كلماتي.. هي الحنين الذي يقتلني في الغربة، وألم هذا الحنين لا يبارحني..
دمشقُ هي الحبيبة التي ينبضُ بها قلبي، والدفء الذي يلازمني.. كلّما زرتها أغترف من هذا الدفء، أحمله معي وأدّخره لشتاء السويد الطويل، شتاء النبرةِ التي لا تتحدّث إلا بلسانِ الريح، وإيقاعِ نوتة الثلج والمطر.
نعم، لقد طوّقتني دمشق بياسمينها، فجعلتني أفوح بها على مدى سنوات غربتي، إلى أن صرت ابن الياسمين..
“في حضنِ الشيطان”. كتابٌ كلّفك تعباً وجهداً لإيصالِ حقيقة الحرب الكونية على سورية.. ماذا كلّفك أيضاً؟..
في هذا الكتاب، سعيت باحثاً وسائلاً ومُدققاً، لتبيان أسباب ودوافعِ هذه الحرب القذرة التي شُنّت على بلدي، يدفعني شعوري بخطورة ‎ما يجري وما يُخطط له، من أجل دمارِها وقتل إنسانها..
لا يعادل الجهد والتعب اللذين بذلتهما لإيصال هذه الحقيقة، شيئاً أمام معاناتي مع المتطرفين والإرهابيين، وفي كلّ مدينةٍ كنت أزورها لتوثيق معلوماتي، فلقد تعرّضت للضرب مراراً، ولمحاولات قتلٍ عديدة، إضافة إلى التهديدات التي كانت تصلني، من متطرفين ولاجئين انساقوا وراء الموجة، فخانوا وباعوا وشاركوا في دمارِ وطنهم، مثلما في قتل وتشريد أبنائه، طمعاً بالمال وإغراءاتٍ أخرى، ناهيك عن الأحقاد الطائفية والمعتقدات الظلامية.
“عراب المحبة” لقبكَ، وعنوان كتاب لك.. برأيك، هل بقي أثر للمحبة في ظلّ ما نعيشه من صراعات وأحقاد؟.
حيث لا يوجد إنسان لا توجد محبّة، فهو جوهر الحياة وعقلها، وفي بنائه وتوعيته على قيمِ الخير والعدالة والمحبة والسلام، تكمن قيمة الحياة وقيمته.
للأسف، لقد ساهمت الحروب والصراعات والأطماع، والفتن والشرور والأحقاد، إضافة إلى هموم الحياة ومشاكلها، في تغييب كلّ تلك القيم، فبات الإنسان عموماً، لا يفكر إلا بنفسه، ويتنكر للأخوّة والمحبّة والإنسانية، الأمر الذي يقود إلى المزيد من الصراعات والأحقاد..
رغم كلّ ذلك، ما زالت قيم المحبة موجودة، تجعل للحياة معنى، يؤكد وجودنا وإنسانيتنا.
ملاحظة: في كتابي “عراب المحبة”، تناولت قصصاً من الحياة، ولأصدقاءٍ فنانين أو أناس عاديين، جمعتني وإياهم لحظات ومواقف جميلة، فدفعني الاحساس بالامتنان لتلك اللحظات، لكتابة ما بقي بيننا من صورٍ ومواقف وذكرياتٍ، عنوانها الوفاء ومضمونها المحبة.
ما رأيك بالأدب والثقافة اللذين تروّج لهما وسائل التواصل؟. وماذا تقول عنهما في زمنٍ نراهما فيه يحتضران؟
الأدب والثقافة على وسائل التواصل، هما حالة معقّدة.. حالة لها إيجابياتها، مثل تسهيل الوصول والتواصل بين الكُتّاب والجمهور، وسلبياتها التي أبرزها، انتشار الأفكار السطحيّة بطريقةٍ تسيء للثقافة الحقيقية، وتهدّد قيمها الفكرية والإبداعية.
لقد أتاحت وسائل التواصل مساحة لنشر الأدب، لكنها أيضاً شجّعت على تسليعه، ويتمّ التركيز على العبارات القصيرة، حتى وإن كانت سطحية، على حساب المحتوى الثري والعميق. النقد الحقيقي غائب غالباً، ومن يقيّم جودة النصّ، لايكات الأصدقاء والمتابعين لا قراءتهم.
برأيي، إن أردنا الحفاظ على الأدب والثقافة في هذا الزمن، علينا دعم المحتوى الجاد والإبداع الحقيقي بدلاً من السطحي. أيضاً، التركيز على التعليم الثقافي لتعزيز الذائقة لدى الأجيال الجديدة، إضافة إلى الاستفادة من وسائل التواصل لنشر المعرفة الحقيقية. الأدب والثقافة لا يحتضرا، بل يمّران بتحدٍّ كبير يتطلّب وعياً اجماعياً لإعادتهما إلى مكانتهما الرفيعة.
برأيك، كيف بإمكان المجتمع أن يوازن، ما بين حفاظه على هويته الثقافية والاجتماعية، وتأقلمه مع المتغيّرات العالمية السريعة؟.
الإجابة عن هذا السؤال تتطلّب رؤية شاملة، تأخذ في الاعتبار العلاقة المعقدة بين الأصالة والتجديد:
١- الوعي بالهوية الثقافية: الخطوة الأولى لتحقيق التوازن، تعريف المجتمع بهويته الثقافية، بطريقة عميقة وشاملة، تتجاوز المظاهر السطحية إلى القيم الأساسية
.اللغة والتاريخ والعادات التي تشكّل جوهر تلك الهوية.
٢- إعادة النظر في التراث: ليس كلّ ما هو جزء من الهوية الثقافية، يستحق الحفاظ عليه، إن كان يعيق التقدم. يجب فرز التراث الثقافي بين ما يمكن تحديثه، وما يجب التمسك به، وما يحتاج إلى تجاوزه.
٣- التكيف الذكي مع المتغيرات: لا يعني هذا التخلي عن الهوية، بل استفادة المجتمع من الأدوات الجديدة والتكنولوجيا، لتطوير نفسه والحفاظ على خصوصيته في الوقت ذاته.
٤- التعليم والثقافة: تعزيز التعليم القائم على التفكير النقدي والمواطنة، يساعد على بناء أجيالٍ قادرة على التعامل مع العولمة، دون أن تفقد هويتها.. الثقافة هي الحصنُ الذي يحمي المجتمع من الذوبان في الآخر.
٥- الحوار الثقافي: الانفتاح على الثقافات والتفاعل معها، من منطلق الثقة بالنفس، بدلاً من الخوف أو الرفض، يتيح فرصاً للتطوّر المشترك دون الإضرار بالهوية.
٦- دعم المؤسسات الثقافية والاجتماعية: تحتاج المجتمعات إلى مؤسّسات قوية، تحمي التراث الثقافي وتعمل على نقله، بشكلٍ حيٍّ ومرنٍ للأجيال القادمة.
الخلاصة: التوازن يتحقق عندما يدرك المجتمع، أن الهوية ليست ثابتة تماماً، ولا قابلة للذوبان بالكامل. هي في جوهرها عملية ديناميكية، تتجدّد بتفاعلها مع العالم، مع الحفاظ على ثوابتها الأساسية.
كلمة أخيرة توجّهها للعالم، في ظلّ ما نشهده من حروبٍ، جعلت الأوطان تنزف كما الإنسان؟.
أقول لكلّ العالم: افعلوا شيئاً، لا تصمتوا.. أوقفوا هذه الحروب مهما كان الثمن.. من يُقتلون يومياً ليسوا بحاجة لبيانات التنديد والاستنكار، بل للوقوف معهم ووضعِ حدّ لإجرام وغطرسة العدوّ، الذي يرتكب أبشع المجازر بحقهم.
علينا جميعاً العمل للمطالبة بوقفِ ماكنة هذه الحرب المتوحشة الهمجية. علينا مخاطبة المثقفين والمفكرين والمعنيين في كلّ بقاع العالم، وبكلّ اللغات والوسائل التي تضمن أمن وسلامة الإنسان، لإيقاف هذه الحروب وما ينجمُ عنها، من دمارٍ وإراقة دماءٍ وانتهاكات..

آخر الأخبار
المركزي يصدر دليل القوانين والأنظمة النافذة للربع الثالث 2024 تحديد مواعيد تسجيل المستجدين في التعليم المفتوح على طاولة مجلس "ريف دمشق".. إعفاء أصحاب المهن الفكرية من الرسوم والضرائب "التسليف الشعبي" لمتعامليه: فعّلنا خدمة تسديد الفواتير والرسوم قواتنا المسلحة تواصل تصديها لهجوم إرهابي في ريفي حلب وإدلب وتكبد الإرهابيين خسائر فادحة بالعتاد والأ... تأهيل خمسة آبار في درعا بمشروع الحزام الأخضر "المركزي": تكاليف الاستيراد أبرز مسببات ارتفاع التضخم "أكساد" تناقش سبل التعاون مع تونس 10 مليارات ليرة مبيعات منشأة دواجن القنيطرة خلال 9 أشهر دورة لكوادر المجالس المحلية بطرطوس للارتقاء بعملها تركيب عبارات على الطرق المتقاطعة مع مصارف الري بطرطوس "ميدل ايست منتيور": سياسات واشنطن المتهورة نشرت الدمار في العالم انهيار الخلايا الكهربائية المغذية لبلدات أم المياذن ونصيب والنعيمة بدرعا الوزير قطان: تعاون وتبادل الخبرات مع وزراء المياه إشكاليات وعقد القانون تعيق عمل الشركات.. في حوار التجارة الداخلية بدمشق بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة