الثورة – رشا سلوم:
كنا صغاراً على مقاعد الدراسة حين بدأنا نردد الكثير من الأناشيد الجميلة التي تبقى خالدة في الذاكرة وتجري في نبض الحياة، لأنها من القلب إلى القلب.
نستعيد أناشيد سليمان العيسى، وغيره من الشعراء، ومازال في الذاكرة نشيد للشاعرة هند هارون عن الأمومة وابنها عمار الذي هو كل ابن وكل طفل.
هند هارون التي تمر ذكرى رحيلها هذه الأيام هي كما يصفها النقاد (شاعرة الحزن والألم والعظيم).
الحزينة هند هارون التي فقدت ولدها الوحيد (عمار) والذي أضحى حزنها الدائم وألمها المضني الذي فجر فيها عاطفة شديدة نحو ولدها الذي مات وهو في عز شبابه، ولم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، فأطلقت صيحتها المدوية الديوان الأول (عمار) في عام /1979/ م، وإن كان في الوقع قد سبقه ديوان آخر سمته (سارقة المعبد) /1977/م، ولكن قصائدها التي أخرجتها للحياة، وهي تحمل الألم العظيم كانت هي الولادة الحقيقية للشعر.
وأخرجت للوجود دواوين أخرى تعد على الأصابع، ولكن الألم العظيم يولد مرة واحدة في ديوان واحد، ثم يتبعه قصائد أخرى نشرت في الجرائد والمجلات حتى توفيت.
بطاقة..
هند نديم هارون، ولدت عام 1927 في اللاذقية، كانت متفوقة في دراستها، عملت رئيساً لفرع اتحاد الكتاب العرب في اللاذقية، ومديراً لثانوية الكرامة.. شاركت في العديد من المهرجانات الشعرية في مصر ولبنان والعراق والمغرب وفرنسا وبلغاريا.
بدأت نشر شعرها في الصحف المحلية باسم (بنت الساحل)، وهي لاتزال تلميذة في المرحلة الإعدادية، وغلب على شعرها الطابع الوطني والاجتماعي والوجداني.
دواوينها الشعرية: سارقة المعبد 1977، عمّار 1979، شمس الحب 1981، بين المرسى والشراع 1984، عمار في ضمير الأمومة 1988.
من إبداعها
إنني يا ريشة الإبداع.. أرنو للسكينهْ
صفوة الأفكار.. تحيا.. بين راحات أمينه
ليتني.. أنداح في أطيافها.. جذلى.. حزينه
ليتني الغصن الذي أضحى.. يراعات.. ثمينه.. علني أحيا بكف الوجد .. أيامي الضنينه
يا سمير الروح.. هل ترسو.. على الشط السفينه؟!
ومن قصيدة لابنها الراحل عمار نقتطف:
في العام 1978 كتبت هند هارون قصيدة بعنوان “جرح الموت” وأهدتها إلى روح ابنها في عيده الثامن عشر:
يا وحيدي.. كنت في صدري وعيني الشعاع
وأنا أحياك.. يا عمار.. في دنيا الصراع
لم يلح لي بعد أن جزت الدنا.. إلا الضياع
وغبار الأرض.. شد الناس.. أغرى المتاع
غير أني عندما أدعوك.. ينزاح القناع
وأرى طيفاً حبيباً.. جاء مفتوح الذراع
وأحس القبلة الحرى.. وكم أخشى الوداع
ثم تمضي.. في سفين الله.. مرفوع الشراع
كلما.. لملمت.. جراح الموت.. في نفسي الأبية..
كلما هدهدت آلامي.. بألحان خفية..
ومن قصائدها أيضاً:
رفيـفُ الحُــبِّ يا ولــدي *** حنــــانُ الأمِّ في الكبـــــــد
يزقزقُ في جوانحهـــــا *** كنغمـــــةِ طائـــــــــــرٍ غردِ
يُطلُّ على نواظرهــــــا *** بريقـــــاً رائـــــــعٍ الوَقــــدِ
زرعتَ النورَ في عَيْني *** زرعــتَ الخوفَ في سَهدي
بنوتُــكَ التــي سـطعتْ *** أفانيـــنٌُ مـــن الرغــــّـــــدِ
طفولتُكَ ازدهـارُ الرَّو *** ض بعـــدَ تساقط الْبـَـــردِ
سقيتُ زهورَها دمعي *** و جُهْدَ الــــروحِ والجســـدِ
تذكَّرْ أنَّنــــي الجـــــذرُ *** الـــذي أنمـــــاكَ يــــا ولدي.
التالي