الثورة- ناصر منذر:
مع مرور شهر كامل على انتصار الثورة في الثامن من كانون الثاني 2024، وإسقاط النظام البائد، يواصل السوريون كتابة فصل جديد من تاريخهم النضالي العريق، وكلهم أمل بمستقبل مشرق، يزيح عتمة خمسة عقود ونيف من حكم الاستبداد الظالم، جلبت المآسي والويلات، جراء سياسة القتل والتشريد والتعذيب وتكميم الأفواه، التي مارسها النظام المخلوع، بحق أبناء شعبنا العظيم، الذي يأبى الظلم والاستعباد، فانتزع حريته بفعل التضحيات الجسام التي قدمتها قوى الثورة، وإلى جانبها شباب سوريا الأحرار، بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم، لينبلج فجر الحرية مجددا، فاستحقت سوريا هذا الثمن الباهظ من دماء وتضحيات شعبها الحر الأصيل.
عمل دؤوب
الأفراح بالنصر، يواكبها عمل دؤوب لإعادة النهوض بسوريا، ونفض غبار الحرب، وهذا ما تعمل عليه القيادة الجديدة، من أجل تثبيت الأمن والاستقرار في جميع المدن والمناطق التي يعكر صفوها عصابات النظام المخلوع، وهذا سيقود إلى خلق البيئة الملائمة للانطلاق قدما بإعادة الإعمار، من كافة الجوانب الخدمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بما يحقق تطلعات السوريين في العيش الكريم والمشترك.
إنجازات رغم التحديات
مر شهر واحد من عمر الثورة، ولكنه كان حافلا بالإنجازات رغم كل التحديات الأمنية والاقتصادية، والسوريون يدركون تماما، أن التحلي بالصبر والحكمة، كفيل بصنع الركائز الأساسية لإنجاح مقاصد الثورة، بإرساء قيم العدل والمساواة، أولا، وإعادة بناء سوريا على أسس متينة، يعزز من دورها القوي والمحوري في المنطقة والعالم، ثانيا، وهذا ما نلمسه اليوم، حيث باتت سوريا بعد أيام معدودة على سقوط النظام المخلوع، مقصدا للوفود العربية والإقليمية والدولية، وذلك بعد سنوات عديدة من العزلة الدولية بسبب سلوك وسياسة نظام الأسد المجرم، وما هذا الحراك الدبلوماسي المكثف، سواء في الداخل، أو الخارج، إلا دلالة واضحة على بدء استعادة دورها المحوري والهام في المنطقة، وعلى مستوى العالم.
عودة تدريجية للمهجرين
ما أنجز خلال شهر واحد، يعطي مؤشرات واضحة، على أن المستقبل سيكون أكثرا إشراقا للسوريين، على مختلف الأصعدة، حيث أصبحت الأبواب مشرعة على مصراعيها، لعودة المهجرين، والهاربين من ممارسات النظام البائد، فعاد أكثر من مئة ألف شخص خلال هذا الشهر، والأيام القادمة يتوقع أن تشهد عودة المزيد، لاسيما بعد تسريع الخدمات القنصلية، وخفض الرسوم وجعل بعضها مجانية.
إطلاق سراح آلاف المعتقلين
كما أطلق سراح آلاف المعتقلين في سجون الموت، ليتنفسوا الحرية مجددا، وبات السوريون يعبرون بكل ما في داخلهم، بعدما أطلقت حريات الرأي والتعبير، والتي حرموا منها لعشرات السنين، إضافة لتحرر الشباب من قيود الخدمة الإلزامية بعد إلغائها، ما يتيح لهم العمل بكل طاقاتهم لبناء بلدهم أولا، ومستقبلهم الشخصي ثانيا.
إعادة هيكلة مؤسسات الدولة
وفي هذا السياق نشهد أيضا العمل بوتيرة متسارعة على إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وإعادة بناء المؤسسات العسكرية والأمنية لفرض الأمن والاستقرار، ومنع الفوضى، ولا ريب بأن توجيهات القيادة العامة لإعادة هيكلة القوات المسلحة وتنظيم الجيش العربي السوري، وما يرافقها من جلسات مع الفصائل العسكرية من أجل وضع خطوات لانخراطها بوزارة الدفاع، تعد من الإنجازات المهمة، على صعيد وضع خارطة طريق لتحقيق الاستقرار بالبنية التنظيمية للقوات المسلحة.
ارتفاع القدرة الشرائية
كذلك نشهد اليوم ازدحاما كبيرا في الأسواق، مع العودة التدريجية للقدرة الشرائية، وارتفاع قيمة الليرة بشكل متسارع أمام الدولار، فضلا عن رفع الرواتب والأجور للعاملين في الدولة إلى نسبة 400 بالمئة اعتبارا من الشهر القادم، وأيضا وقف إنتاج وتصنيع وتهريب المخدرات، التي عمد النظام المخلوع لترويجها على نطاق واسع، كمصدر للإثراء الفاحش، وتمويل عملياته الإجرامية، بعدما نهب معظم أموال الشعب.
هذا غيض من فيض، فالإنجازات سوف تتراكم على المدى المنظور، لتصب كلها في مصلحة الوطن والمواطن، وهذا ما ينشده كل السوريين، وهم يستحقون ذلك بجدارة.
