تحقيق – ميساء العلي وفريال زهرة:
وصلت رسوم السيارات في زمن النظام البائد إلى ٤٠٠% على قيمة السيارة، حيث إن السيارة التي كان سعرها ٢٠ ألف دولار حينها كان يدفع ثمنها جراء تلك الرسوم ٨٠ ألف دولار، أي بسعر ٣ سيارات أو أربع سيارات حسب المواصفات، فالرسوم الجمركية غير منطقية،
الرسوم الجمركية الجديدة أصبحت أكثر عدالة، وفتحت باب الاستيراد من دون التقيد بأي مواصفات تضاف للرسوم الجمركية، فعلى سبيل المثال سيارة موديل ٢٠٢٥ رسومها الجمركية ٢٥٠٠ دولار، وبذلك أصبحنا من أقل الدول في العالم لجهة الرسوم الجمركية للسيارات.
استحسان وارتياح
مثله مثل غيره تشجع صاحب (الكيا سيراتو 2016) لزيارة سوق السيارات لتأمل المعروض فيها، خصوصاً بعد صدور قرار تخفيض الرسوم الجمركية للسيارات، الأمر الذي لاقى استحساناً وارتياحاً لدى شريحة كبيرة من الناس ليس لجهة اقتناء سيارة حديثة عصرية بسعر مقبول فحسب، بل لحاجتنا الماسة لوسائل النقل الخاصة والعامة في ظل ثاني أكبر كارثة نعيشها بعد أزمة الكهرباء، ألا وهي النقل التي أثرت على الإنتاج ومجمل الأعمال في البلد.
عادت سيارته
لكن فرحة (صاحب الكيا) كما رواها لنا أحد تجار السيارات في حي الميدان الدمشقي لم تعادلها فرحة، وأكبر بكثير مما توقع رؤيته في سوق الزاهرة للسيارات بدمشق، نعم إنها هي سيارته المسروقة منذ ست سنوات وجدها مركونة للبيع في السوق، اقترب منها وصورها وتفحصها ودار حولها وعاد مسرعاً إلى بيته ليحضر المفتاح الثاني لسيارته المسروقة، ضغط زر الفتح ففتحت السيارة أبوابها، فذهب إلى أقرب مخفر لقوى الأمن العام للإبلاغ عنها رسمياً لإعادتها له،
حال صاحب الكيا حال عشرات الآلاف اليوم أفراداً ومؤسسات عامة وخاصة، وبدأت تغزوا سياراتهم الأسواق من كل حدب وصوب إلى جانب الآلاف من السيارات مجهولة المصدر والهوية الداخلة من كل المعابر الرسمية وغير الرسمية، ما استلزم ضبط الأمور وإعادتها إلى نصابها القانوني، ولعل إصدار القرار لتخفيض الرسوم الجمركية أولى الخطوات الضرورية اللازمة لعودة الأمور إلى نصابها.
رغم الانخفاض جمود
وصف محمد عودة- مدير مجموعة لتجارة السيارات، حال الأسواق هذه الأيام بالجمود والتريث والحذر رغم تأكيده على انخفاض أسعار السيارات بوضوح بعد التحرير، وقال خلال شهر ونصف انتقل السوق فجأة من حالة جفاف شديد وجمود منذ أعوام إلى إغراق السوق بعروض كثيرة من السيارات الحديثة والعصرية، وبأسعار بدت أكثر من مغرية للزبائن، مقارنة عما كانت عليه قبل شهر ونصف تقريباً، كما شهدنا أيضاً عمليات تسويق الكتروني لعدد هائل من عروض السيارات، لسوق متعطش، توقف عملياً خلال عقد ونصف من دون استيراد، واهتلاك كبير للسيارات الموجودة، وارتفاع أسعار قطع الغيار والإصلاح، وأصبحنا أمام أسطول سيارات ووسائل نقل متهالكة وبأسعار جنونية فاقت كل التصورات لسيارات أشبه بالخردة في دول مجاورة (كوم حديد).
وأضاف عودة: رغم هذا الوضع المأساوي لواقع السيارات في البلد، ورغم امتلاء السوق اليوم وصدور قرار تخفيض الرسوم الجمركية والسماح باستيراد السيارات المستعملة عبر معبر نصيب حالياً، لا يزال العديد من التجار والزبائن يترقبون السوق بحذر شديد لعدم انتظام عمليات البيع والشراء، ولعدم استقرار عملية التسعير وكل عمليات البيع والشراء التي حصلت تتم عبر عقود من دون استكمال إجراءات الفراغ والمالية والنقل.
إغراق وفوضى
ونوه عودة بخطورة الفوضى في إدخال كم كبير من السيارات بالآلاف غير معروفة المصدر (مسروقة داخلياً أو خارجياً، لا تحمل شهادة تصدير، غارقة، مقصوصة… الخ)، فمثلاً نعلم عن غرق باخرة تحتوي 9000 سيارة قبل فترة، وهناك سيارات تعرضت للغرق في تركيا والخليج وأميركا، وبالتالي ما يدخل إلى القطر عبر معابر مختلفة لابد له من التدقيق والمراقبة والقوننة.
مع ذلك فإن دخول هذه السيارات إلى الأسواق قد خفضت ما بين 50% إلى 60% من أسعار السيارات من قيمتها المتداولة سابقاً، فمعظم ما دخل من سيارات عن طريق إدلب هي موديلات 2010-2016 بماركات تبدو مرغوبة لدى السوريين (الجيب ذات الدفع الرباعي) ذات المنشأ الكوري، وكانت تباع في إدلب بين 2000 إلى 5000 دولار بعد التحرير اليوم بسعر يتراوح بين 8000 إلى 15000 دولار، وبالتالي ما زال السوق يعاني من ضبابية بالأسعار وعدم استقرار سواء للسيارات الموجودة سابقاً أو سيارات الإدخال، حتى بعد صدور قرار التخفيض الجمركي كونها حصرت استيراد السيارات المستعملة بالسنوات 2010-2016، وباعتقادي أننا سنملأ السوق بأسوأ البضائع المستعملة.
انكماش واحتكار
وباستعراض سريع لمراحل استيراد وتجارة السيارات منذ عام 2000 حتى اليوم- رأى عودة، انعدام المنافسة والاحتكار بيد فئات منتفعة ومتنفذة أحياناً، جعل السوق في حالة اضطراب حيث لم تحقق السياسات المتعاقبة حاجات المواطنين واعتمدت سياسات أدت إلى زيادة الفساد في أغلب الأحيان، حيث حصرت هذه السياسات الاستيراد بيد مؤسسة واحدة (الأفتوماشين) مع السماح لبعض الحالات الفردية للمغتربين العائدين (شرط إنهاء إقاماتهم طبعاً) باستيراد سيارة خاصة، بعد ذلك تم حصر الاستيراد لثلاث شركات فقط هي (شام توورز، ترانس توورز، وسيريان توورز) وبأرباح خيالية آنذاك، حيث إن السيارة التي قيمتها 6000 دولار كانت تباع بقيمة 18000 دولار، وبعد هذه المرحلة جاءت مرحلة أسوأ حيث تم السماح باستيراد السيارات بشرط التمويل بدولار التصدير حصراً، والتي أسميها (بالكذبة الكبيرة)، حينها كان يتم تصدير بضائع ومنتجات وهمية أو تالفة من أجل استعمال الدولار بالاستيراد تحت عنوان” صدر و استورد” من أجل الحفاظ على القطع الأجنبي.
هذه السياسة المقيتة سببت العديد من المشكلات حتى مع الدول المجاورة كالأردن وقبرص وأدت إلى ارتفاع سعر دولار التصدير إلى 70 ليرة سورية، علماً أن سعره في السوق المحلية حول 50 ليرة سورية، ما أدى إلى ارتفاع سعر السيارات في السوق السورية بالإضافة إلى تسعيرة الجمركة العالية جداً 150% للسيارات ما دون 1599 سي سي و250% للسيارات الأعلى من 1600 سي سي، واستمر هذا الحال حتى عام 2005.
وحدثت تلاعبات عديدة بين بعض التجار ومديرية تسعير السيارات بالمديرية العامة للجمارك بحيث يبرز التاجر بوليصة شحن بسعر أقل من سعر السيارة الحقيقي بهدف تخفيض القيمة الجمركية وكذلك لتنافس سياراته السيارات الأخرى المطروحة بالسوق، وهذا أضاع مئات الملايين من الدولارات على خزينة الدولة وبقيت التنافسية غير شريفة بين التجار.
مرحلة الانتعاش
وبين عودة أنه في بداية 2005 شهدت سوق السيارات انفتاحاً كبيراً من خلال استيراد السيارات الحديثة (بعداد صفر) ما أدى إلى هبوط سعر السيارات المستعملة، وخلق حالة من التوازن المقبول والمريح في الشارع، ويضيف، تفاصيل هذه المرحلة التي أطلق عليها المرحلة الذهبية بالقول: شهدت الأسواق افتتاح العديد من الوكالات الخاصة بكل ماركة مع وجود وفرة من العروض ووفرة مادية عند المواطنين وساهمت البنوك الخاصة بتمويل شراء السيارات من خلال قروض مريحة ما حقق حلم المواطن السوري في اقتناء سيارة خاصة به، واستمر هذا الانتعاش حتى غاية 2012، لتبدأ مرحلة بتوقف الاستيراد والقروض وضعف القوة الشرائية لليرة السورية ما أدى إلى الامتناع عن سداد القروض المترتبة على مالكي السيارات من جهة وازدياد نفقات الأسر السورية التي تهجرت من بيوتها وحالة انعدام الأمن في أغلب المناطق السورية، وصولاً لعام 2018 وبدء الانخفاض الكبير للقوة الشرائية لليرة السورية وظهور التضخم بشكل واضح ما انعكس بشكل مباشر على أسعار السيارات، وهذا أدى إلى توقف أسواق السيارات بشكل شبه كلي.
تجارة المتنفذين
بين عامي 2018 و2019 شهدنا مرحلة أخرى لاحتكار مجموعة قليلة من التجار أو الوكلاء تحت مسمى إدخال قطع الغيار، أو ما يسمى بتجميع السيارات محلياً، ومن خلال بعض المتنفذين حصلوا على إدخال سيارات مفككة وقاموا بتجميعها بمعمل حسياء لتجميع السيارات، ما أدى إلى ارتفاع كبير بأسعار السيارات مرة أخرى، وأصبح امتلاك السيارة حلماً للكثيرين، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السيارات المستعملة، وكان سعر الصرف بين 2000 و2500، لتأتي الضربة الكبيرة عام 2022 حين ارتفع سعر الصرف من 5000 إلى 11000 ليرة سورية عندها حلقت أسعار السيارات كأسعار العقارات تماماً، وأصبحنا نتحدث عن مئات الملايين والمليارات لبعض أنواع السيارات، وكمثال على ذلك كانت قيمة السيارة الشعبية (كيا ريو) عام 2020 بـ 10,000 دولار لتصبح بعام 2024 بـ 12,500 دولار، في حين كان سعرها من بلد المنشأ كوريا يتراوح بين 4000 إلى 5000 دولار، إضافة لرسوم الشحن والجمارك، أما سيارة البيجو 206 إيرانية المنشأ كان سعرها ببلد المنشأ 3000 دولار مع 2000 دولار شحن وجمارك، فكانت تباع بالسوق السورية بـ 11,500 دولار، بأرباح تصل لأكثر من 100% عام 2020، وفي عام 2024 وصل سعر هذه السيارة إلى 9500 دولار لموديلات 2006 المستعملة.
كل هذه الخضات في استيراد السيارات ناهيك عن آثارها السلبية المادية والبيئية الجائرة تلخص سياسات حكومية قاصرة واحتكارية دمرت كلياً أسواق تجارة السيارات وشُلت بالكامل، أضف إلى ذلك فرض ضرائب على مكاتب السيارات ما أدى إلى إغلاق الكثير منها في السنوات الأخيرة، مما يشجع الاحتكار ويقضي على التنافسية التي بشكل عام تكون لصالح المستهلك أي المواطن السوري.
عودة التفاؤل
بتفاؤل كبير ينظر، عودة، للمستقبل مع الإدارة الجديدة للبلاد التي ألغت الكثير من القرارات والضرائب الجائرة والمرهقة للمواطن السوري كجمركة الموبايلات وتخفيض ضرائب استيراد السيارات وغير ذلك، منتظراً كغيره جملة من الإجراءات المتلاحقة التي ستقدمها الحكومة لمعالجة الثغرات والتشابكات العالقة وتنظيم وتأطير هذا القطاع، واقترح ألا يتجاوز عمر السيارة المستعملة والمستوردة أكثر من خمس سنوات حتى لا تصبح سورية مكباً للسيارات المستعملة الرديئة والتوجه نحو إدخال سيارات حديثة (عداد صفر) في خطوة من شأنها الدفع نحو عودة افتتاح وكالات السيارات بشكل رسمي كونها تشكل موثوقية أكبر لدى المواطن والحكومة، ويمنحها إجازات استيراد نظامية لتسهم في عودة الاستثمار من جديد وتلبي حاجة المواطنين وحاجة السوق.
تعددت المعابر ولكن
يميز المخلص الجمركي المهندس أحمد– س بين السيارات الداخلة عبر معبر نصيب ومعابر إدلب الآمنة نوعاً ما، كما يصفها بعد صدور القرار الأسبوع الفائت، حيث يتم التدقيق بلوحات السيارات ومدفوعة الجمارك وبين المعابر الأخرى غير الخاضعة لحكومة تصريف الأعمال، ويتم استيراد سيارات مقصوصة، وقد تكون مسروقة خارج سوريا والذي ترافق مع إدخال العائدين من تركيا لسياراتهم، ما ساهم أيضاً بإغراق السوق بسيارات مجهولة المصدر والملكية وبلد المنشأ، وتفتقر للشهادة الجمركية، ويطالب الجهات الحكومية بمعالجة وضعها عن طريق الانتربول الدولي، مثنياً في الوقت نفسه على صوابية القرار بإيقاف العمل بمديريات النقل ريثما يتم الدمج الشبكي بين حكومة إدلب وحكومة الإنقاذ المركزية درءاً لزيادة المشكلات في عمليات البيع والشراء في الوقت الراهن.
230 ألف سيارة مسروقة
وقدر المهندس أحمد عدد السيارات الداخلة إلى سوريا منذ التحرير حتى اليوم 80 ألف سيارة، إضافة إلى وجود ما يقارب 230 ألف سيارة مسروقة في البلد منذ عام 2011 وحتى عام 2024، ما يستدعي إجراءات حاسمة وسريعة للمعالجة.
ولخص الوضع الراهن بتوقف عمليات البيع والشراء بانتظار افتتاح مديريات النقل الشهر القادم للكشف الدقيق على السيارات ومعرفة أوضاعها، سواء عليها إشارات رهن أو تشابه أسماء أو برقيات لجرائم أو تهريب، واختصر الحال بعبارة سابقاً كانت محبوكة زيادة وحالياً فلتت زيادة.
وما بين التشدد والانفتاح الكبير اليوم في السوق توقع المخلص الجمركي انطلاق حركة البيع والشراء وبدء الاستقرار مع انطلاق العمل في المواصلات ومديريات النقل الضامنة لجميع الأطراف بما فيها الإيرادات الحكومية والخزينة العامة، لافتاً إلى أن اللوحات التي أعطيت مؤقتاً لم تكن مخصصة أصلاً للسيارات بل للدراجات النارية ريثما يتم تسليم اللوحات الموحدة، ومن جهة ثانية فإن التغير السريع في سعر الصرف يؤثر بشكل أو بآخر على عمليات البيع التي تجعل المواطن يتريث في الاستثمار بشراء سيارة مع وجود إشاعات بانخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار.
وأشار المهندس أحمد إلى أن التسعيرة الجمركية الجديدة منصفة ومنطقية، وتشكل إيرادات جمركة وترسيم السيارات مورداً مهماً للخزينة يصل إلى ملايين الدولارات شريطة تسريع وتنظيم الإجراءات، واختتم قائلاً: للأمانة هناك فريق عمل من الأكفاء يعملون اليوم في وزارة النقل بصمت من أجل ربط الشبكة وتنظيم الإجراءات بالشكل الأمثل والمريح للجميع.
تحقيق الحلم يحتاج وقتاً
بدا لافتاً تعالي أصوات المناشدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لكل من دفع في البيع والشراء خلال الأسابيع الماضية، مطالبةً بالإسراع بافتتاح مديريات النقل في المحافظات لاستكمال عمليات البيع والفراغ أصولاً، خاصة بعد تداول العامة قصص سرقة السيارات بعشرات الآلاف وهو رقم كبير، إذا ما صح، ولا أحد يستطيع تأكيده إلا الجهات الرسمية بعد الجرد والربط الشبكي، وهذا يتطلب وقتاً كافياً لتدقيقه.
#صحيفة_الثورة