الثورة – فؤاد مسعد:
ودّع الوطن قامة شامخة من أبنائه البررة، وأحد أعمدة المسرح العربي والمؤثرين فيه، إنه الكاتب والناقد والمخرج المسرحي فرحان بلبل، المبدع والمُعلّم المخضرم والعتيق، الذي ترك بصمة لن يمحوها الزمن، عمل بحب وشغف، تسلّح بالمعرفة والثقافة العالية والفكر والوعي.
كرّس حياته للمسرح، فأعطاه من روحه الكثير، كان عشقه وهاجسه، فشكّل بالنسبة إليه رحلة حياة. يُعد الراحل من أهم رموز المسرح العربي عامة والسوري خاصة، وبرحيله تخسر الحركة المسرحية معلماً وأباً روحياً أثراها بالكثير من الأعمال والعروض والكتب والمؤلفات والدراسات والأبحاث.
المسرح.. حكاية عمر
الكاتب والمخرج فرحان بلبل الذي أمضى حياته ضمن عوالم المسرح أعطى خلال الكلمة التي كتبها وألقاها في “يوم المسرح العربي” عام 2018 أحد أهم أسرار عمله، قال فيها: “عملت في المسرح أكثر من أربعين عاماً. وكان لي فيه مجموعة قواعد سرت عليها طوال هذه المدة. وهي أن يعالج المسرح هموم وقضايا عصره، ولهذا كانت فرقتنا المسرحية تجوب أنحاء سوريا شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً”.
حملت كلمته التي وجهها إلى المسرحيين العرب الكثير من الرؤى والأفكار والهواجس التي تعج في ذهنه، مفصلاً واقع المسرح العربي في الماضي والحاضر ومستشرفاً للمستقبل، مؤكداً أن المسرح في القرن العشرين توغَّل في حياة الناس فأمتعهم وناقش معهم أخطر قضاياهم. لكنه منذ أواخر القرن العشرين بات مضطرباً، ويتخبط في أشكاله، فانفض عنه الجمهور، إلا أن ذلك كله سيكون بمثابة مخاض موجع وطويل لانبثاق عصر مسرحي عربي جديد.
“بلبل” الذي توجّه عبر مسرحه إلى الناس كلهم، عاش تطور المسرح السوري منذ سبعينيات القرن الماضي وخبِره، وأكد في أكثر من مناسبة أنه في حال تم تخييره بين تقديم عروضه خارج سوريا أو داخلها لاختار العرض داخل بلده في المحافظات والمدن والقرى كلها، لأنه يدرك أن الخارج رقم ضائع أما في بلده فسيترك أثراً.
كتب ومؤلفات
قدم الراحل أبحاثاً مسرحية امتازت بمنهجية البحث وبالفكر العلمي، وصدر له العديد من الكتب والدراسات والمسرحيات، نقتطف منها كتاب “أصول الإلقاء والإلقاء المسرحي” الذي تحدث فيه عن أهمية النطق الصحيح في إيصال الأفكار، مؤكداً أن تحقيق ذلك يحتاج إلى مجموعة من القواعد، وفرد الكتاب مساحة لفن الممثل بقواعد إلقاء خاصة به، وقد بدأت أبحاث الكتاب ببحث “الصوت” وانتهت بإسدال الستارة على نهاية العرض المسرحي في اليوم الأخير، أما كتاب “شؤون وقضايا مسرحية” فرصد أحوال المسرح العربي عامة والسوري خاصة، وخلص فيه إلى أن المسرح العربي يمتلك مقومات كثيرة تجعله قادرًا على إحراز مكانة مهمة في الثقافة العربية.
في حين عكس كتاب “المسرح التجريبي الحديث عالمياً وعربياً” هم المؤلف بقضية التجريب عالمياً وعربياً، فهو أول كتاب عربي يحاول تحديد معنى المسرح التجريبي وخصائصه في الشكل الأخير الذي وصل إليه نهاية القرن العشرين. ويبين الكتاب الفرق بين المسرح التجريبي هذا وبين محاولات التجريب التي سبقته في القرن نفسه.
وضم كتاب “المسرح في بلاد الشام” رصداً لريادة المسرح العربي في لبنان وسوريا متناولاً استنتاجات حول هذه الريادة في تجربتي النقاش والقباني، أما كتابه “المسرح السوري في مئة عام 1847 1946” فسعى عبره إلى إظهار النشاط المسرحي على امتداد المدن السورية، لأن المسرح السوري هو مجموع ما قدمه المسرحيون السوريون على امتداد أرضهم.
ومن كتبه ومسرحياته نذكر أيضاً “مراجعات في المسرح العربي منذ النشأة حتى اليوم، أوراق غير متناثرة، رسالة الغفران: صياغة معاصرة، المسرح العربي المعاصر في مواجهة الحياة، من التقليد إلى التجديد في الأدب المسرحي السوري، الممثلون يتراشقون الحجارة، البيت والوهم، الحفلة دارت في الحارة، العيون ذات الاتساع الضيق، تأخرت يا صديقي”. كما صدرت “المجموعة الكاملة” لأعماله في خمسة مجلدات.
#صحيفة_الثورة