الذراع الإجرامي للأسد المخلوع.. هكذا أكملت الفرقة الرابعة منهجية التدمير في حلب وسرقت منازل المدنيين
الثورة – جهاد اصطيف وحسن العجيلي:
يقف المواطن هاني عبد الغفور أمام المبنى الذي يقع فيه منزله، أو ما تبقى منه، والذي أحاله قصف طيران وصواريخ النظام البائد إلى شبه ركام، يستذكر ذكرياته وعائلته في منزله الذي لم يعد فيه حجر على حجر بعد القصف ومتابعة عصابات ومافيات السرقة إكمال مسيرة الدمار الممنهج بسرقة الممتلكات والكابلات الكهربائية والنوافذ والأبواب، وكل ما يمكن أن يسرق وصولاً إلى هدم ما تبقى من المنازل، ومنها ما هو سليم إنشائياً للحصول على الحديد المسلح في الأسقف والحجارة والأنقاض.– عصابات الرابعة:
ويتابع هاني حديثه لصحيفة الثورة: عناصر النظام البائد أدخلت عصابات سرقة متعاونة معه، ونهبت الكثير من المنازل بشكل ممنهج وعلى نحو شامل، وهو ما يبرر الحالة التي وجد فيها أصحاب المنازل بيوتهم بعد غياب قسري عنها لسنوات، وبدأ بعض السكان العودة للحي عقب سقوط النظام البائد لتفقد ما نجا من منازلهم التي أفنوا أعمارهم لبنائها،.
هاني- الذي لم يغادر الحي وشهد كل الأهوال التي مر بها، توقع أن أعداد العائدين ستزداد شكلاً، لكن لم يستمروا بسبب دمار منازلهم وعدم السماح بالبناء، أو القيام بترحيل الأنقاض والتذرع بذرائع مختلفة، لكن الواقع كان يشير إلى السماح للمافيات المرتبطة بالنظام بسرقة كل شيء حتى الحديد والحجارة لاستخدامها مجدداً في عمليات بناء بعد بيعها لبعض المقاولين المرتبطين بهم أيضاً.وإذا ما اتجهنا قليلاً في الاتجاه الجنوبي- حسب هاني- يزداد حجم الدمار عند أطراف حي العامرية القريب من كراج البولمان في الراموسة، حيث تبدو المنطقة وكأنها تعرضت لزلزال مدمر لم تسلم منه حتى المعامل ومحيطها، نتيجة القصف المتواصل، فالمنازل التي كانت تنبض بالحياة تحولت إلى أنقاض، أو لاتزال تحمل بصمات الدمار بشكل واضح، ليصبح الحي المفعم بالحياة سابقاً، أشبه بمدينة أشباح.
الدمار لم يقتصر على المنازل فقط، فالمدارس، التي كانت يوما منارات للتعليم، أصبحت رمزاً للخراب، يقول هاني: داخل إحدى المدارس التي كان يدرس فيها أولادنا، عند دوار صلاح الدين، كسرت السبورات، وتحطمت المقاعد، وغطت طبقات من الغبار كل شيء، في مشهد يعكس الوجه القاسي للحرب، وحتى الآن لم يتم تأهيلها لأسباب لم تكن واضحة بداية لكن بدأنا نعرف بأن النظام البائد أراد أن يتابع سرقات الحديد من قبل عصاباته ومن خلفها الفرقة الرابعة.
“البراميل” كلمة السر
وفي مشهد يجسد حجم العنف الذي خلفه النظام البائد، تحولت مناطق واسعة من البلاد إلى أطلال، كما هو الحال في الأحياء الشرقية من مدينة حلب، وكذلك الأمر في الأحياء الغربية وإن كانت أقل وطأة، إلا أن عدة أحياء مثل العامرية وصلاح الدين والسكري وطريق الباب التي تعد من أكبر الأحياء الشعبية في حلب لم تسلم من الدمار الكبير الذي كان شاهداً على أعنف هجمات النظام البائد، ولاتزال آثار الدمار فيه تروي فداحة الكارثة، التي خلفتها براميل النظام وصواريخه والتي كانت مقدمة للتخريب والسرقة الممنهجة للمواطنين.
منذ أكثر من عقد غادرت آلاف العائلات الحي بسبب قصف الأحياء السكنية بداية بقذائف المدفعية والهاون، ولاحقاً بالطائرات، حيث سيطرت قوى الثورة على جزء كبير من الحي لأعوام، واستخدمها النظام البائد ذريعة لتكثيف قصفه بالطائرات التي استخدمت “البراميل” المتفجرة، وفرض النظام حصاراً قاسياً على كل محيط الحي استمر لسنوات ونصب الكثير من الحواجز، وعندما سمح للناس بالعودة فيما بعد، لم يجدوا حتى باب المنزل الذي تركوه في العام ٢٠١٢، لا أثر لشيء، حتى أسلاك الكهرباء سرقت من داخل الجدران.
حاول الناس العثور على أي ذكرى لما كان عليه الحال قبل ذلك العام، من دون جدوى، وحين استطاع النظام البائد استعادة السيطرة على المنطقة نهاية العام ٢٠١٦، كانت المنازل لاتزال مليئة بالكثير مما تركه سكان الحي وراءهم، والذين لم يسمح لهم بالعودة إلى منازلهم إلا بعد حين.
– للمعامل نصيبها:
وفي حديثه لـ “الثورة” قال سعيد العمر: أذكر مرة أن ربَّ عملي طلب مني أن أذهب لأتفقد المعمل القريب من حلب، على طريق الزربة، شاهدت بأم عيني أن أزلام النظام استخدموا معدات ثقيلة، لتدمير المنازل عمداً، بهدف استخراج حديد البناء وبيع كابلات البنية التحتية، ولولا أنني لحقت بالمعمل حينها لكان هو الآخر قد تهدم، ومع ذلك لم يسلم من سرقة محتوياته فيما بعد لأنني لم أعد أستطيع الذهاب إلى المعمل بمفردي خوفاً من أن يلحقوا الأذى بي، وأذكر أن أحداً لم يقبل وقتها بالعمل حارساً على المعمل خوفاً على حياته، ومن وقتها أدرك صاحب المعمل أن على معمله السلام، كغيره من المعامل والمنازل المجاورة.
في الريف تتكرر الحكاية
الزميل محمد حنورة من أبناء قرية ماير في الريف الشمالي لمحافظة حلب، أكد أن واقع الريف لا يختلف عن المدينة، مضيفاً: حاولنا مراراً العودة لمنازلنا في القرية والتي لم تعد ضمن منطقة اشتباك عسكرية، إلا أن جميع المحاولات وعلى مدى ثماني سنوات باءت بالفشل لأسباب (أمنيّة) على حد زعم رجال النظام البائد، وبالرغم من التواصل مع العديد من ضباط النظام واللجنة الأمنية في حلب حينها ورفع الكتب التي تتضمن أسماء العائلات الراغبة بالعودة إلى منازلها والحصول على وعود بعد إجراء دراسات أمنية متكررة من عدة جهات للنظام لم يتم السماح لنا بالعودة، لتتبين لنا النتيجة أن مافيات وعصابات النظام المخلوع عمدت إلى تخريب المنازل وسرقة الأبواب والنوافذ وكابلات الكهرباء وصولاً إلى عمليات هدم وسحب الحديد من الأسقف، وقطع الأشجار المثمرة ومنع الزراعة في الأراضي السهلية.
ويشير الزميل حنورة إلى أن البحث عن تلك العصابات كان يصل إلى طرق مسدودة، إلا أن جميع الخطوط تتلاقى عند رجال مرتبطين بالنظام البائد وخاصة الفرقة الرابعة التي تخصصت بسرقة المعادن (حديد– نحاس– ألمنيوم) والتي تطور عملها في نهب الشعب من الحواجز إلى تركيبة متكاملة من العصابات المرتبطة بها والمتخصصة بنهب أملاك المواطنين وتخريبها، والتي لم تعرف بأسماء، وإنما تكنى بجماعة أبي فلان، وأي محاولة للشكوى أو الاعتراض على تلك الممارسات اللا إنسانية تعرض المواطنين للملاحقة الأمنية وربما الوصول إلى غياهب السجون.
– وقفات لابدَّ منها:
قبل دخول قوات النظام إلى المناطق التي كانت تشهد المعارك، كانت ملامح هذه الممتلكات قد تغيرت كلياً على وقع القصف الجوي والبري الذي نفذته بشتى أنواع الأسلحة، بينما تحولت بعد فترة السيطرة شيئاً فشيئاً إلى رماد بفعل عمليات هدم وتجريف وتفجيرات من نوع آخر، البحث والاستقصاء عن خفايا تلك الأعمال لم يوصلنا إلى أسماء معينة نظراً للمنهجية الأمنية التي كان يعمل بها النظام البائد، إلا أن الصورة الواضحة هي أن عمليات الهدم والسرقة كانت تتم بصورة مشتركة بين ما كانت تسمى “الفرقة الرابعة”، مصدر الذعر للأهالي بالتعاون مع مقاولين ورجال أعمال فاسدين مرتبطين بها يقومون بالاستثمار في أنقاض المنازل والأبنية المدمرة، حيث تتم العملية على مرحلتين، الأولى بتفجير وهدم المباني في كتل معينة يتم تحديدها من قبل الجهات الأمنية التابعة للنظام، أما المرحلة الثانية فتذهب إلى استخراج الحديد من داخل الأسقف المدمرة، وإخراجه من المنطقة.
تصوير- صهيب عمراية
صحيفة -الثورة