الثورة – سومر الحنيش:
أصبحت صافرة التحكيم في السنوات الأخيرة، في ملاعب كرة القدم السورية، مثار جدل لا ينتهي، أخطاء تحكيمية قاتلة، شبهات فساد، وقصص تثير التساؤلات عن نزاهة اللعبة الأكثر شعبية في البلاد، فما كان يُدعى بالدوري السوري الممتاز، الذي كان يوماً حلماً للاعبين والجماهير، بات ميداناً للأزمات المتكررة، وسط شكاوى الأندية وصيحات الاحتجاج من المدرجات.
قصص فساد لا تنتهي!
في إحدى أكثر الوقائع شهرة، وقبل سنوات، أصر رئيس نادٍ معروف على مطالبة حكم مباراة فريقه ضد شباب الرقة باحتساب ركلة جزاء لفريقه، مهدداً بعواقب وخيمة إن لم يتم تنفيذ طلبه، وهذه الحادثة ليست استثناءً، بل جزء من سلسلة طويلة من الأحداث التي تفضح الفساد المستشري.
الأمر لم يتوقف عند الابتزاز فقط، ففي نهاية عام (٢٠٢٣) أعلن ناديا الساحل والحرية انسحابهما من الدوري السوري الممتاز، بعد قرارات تحكيمية وصفها مسؤولوهما بأنها “كارثية” كذلك الأمر بالنسبة لنادي الجزيرة الذي امتنع عن لعب المباريات، فتصاعدت الضغوط بعد ذلك، ووجد اتحاد الكرة نفسه آنذاك مجبراً على إيقاف أحد الحكام عن العمل، دون أن يعالج جوهر المشكلة.
لماذا ينهار مستوى التحكيم؟
يرى كثيرون أن مشكلات التحكيم ليست سوى انعكاس لأزمة أكبر تعصف بالكرة السورية، الحكم حمود الحمود، يشير إلى عوامل متشابكة تقود إلى هذا التراجع، إذ يقول الحمود: “مستوى الدوري ضعيف، أرضيات الملاعب سيئة، واللاعبون والمدربون دون المستوى المطلوب، هذا كله ينعكس على الحكام، الذين يدفعون الثمن دائماً”.
ومن بين الأزمات التي تواجه الحكام أيضاً، غياب أي نوع من التأهيل المستمر، فاتحاد كرة القدم لا ينظم دورات تدريبية كافية، والحكام يكادون لا يتلقون تحديثات حول التعديلات الجديدة في قوانين اللعبة، “نحن نتعلم على حسابنا، ونتعرّض للانتقاد على أخطاء كان يمكن تفاديها لو تلقينا الدعم المطلوب”، يضيف الحمود.
أجور الحكام… إهانة واضحة
الحكام في الدوري السوري لا يعانون فقط من الضغط النفسي، بل من الإهمال المادي أيضاً، ففي الوقت الذي يتقاضى فيه الحكام في البطولات الآسيوية مئات الدولارات عن كل مباراة، كان الحكم الحكم السوري يحصل في الدوري الممتاز على ما يعادل ثلاثين دولاراً فقط؟!
الحكم غيث الدهموش، أحد حكام الدوري السوري، يروي كيف يضطر بعض زملائه إلى الاستدانة لتغطية تكاليف السفر عند تحكيم مباراة في محافظة أخرى! ويضيف: “نحن جنود مجهولون، نتعرض للشتائم والضرب، ونكافأ بأجور لا تكفي حتى لتغطية تكاليف المباراة”.
كيف نصلح التحكيم؟
عقب التغييرات السياسية في سوريا، وزوال النظام الغاشم، بدأ البعض يطالب بإصلاح شامل لكرة القدم السورية، وعلى رأسها منظومة التحكيم، الحلول تبدو معروفة، ومنها رفع الأجور، فالحكم الذي يُطلب منه اتخاذ قرارات مصيرية في ظل ضغوط هائلة، يجب أن يحصل على أجر يليق بما يبذله من جهد.
أيضاً التأهيل المستمر، فمن المفروض تنظيم دورات تدريبية دورية للحكام، تواكب أحدث القوانين الدولية، وأيضاً إدخال تقنية (VAR) فتقنية حكم الفيديو المساعد تقلل من الأخطاء وتضمن إلى حد ما نزاهة القرارات التحكيمية،
والأهم محاربة الفساد، بفرض رقابة صارمة على لجنة الحكام، ومعاقبة أي شخص يثبت تورطه في قضايا فساد أو رشا، وإعادة هيكلة لجنة الحكام من خلال لجنة مستقلة تدير شؤون الحكام بعيداً عن التدخلات الخارجية أو المحسوبيات
ختاماً
كرة القدم السورية في أزمة، لكن أزمة التحكيم هي الأكثر إلحاحاً، الحكام ليسوا مجرد صافرات، بل جزء أساسي من اللعبة، وإذا استمر التعامل معهم بهذه الطريقة، فإن الثقة التي فقدتها الجماهير لن تعود بسهولة.
ما تحتاجه الرياضة السورية اليوم، الشجاعة في مواجهة الفساد، واستثمار حقيقي في تطوير منظومتها التحكيمية، فقط حينها يمكن للصافرة السورية أن تعود رمزاً للعدالة، بدلاً من أن تبقى مثاراً للجدل.