بين الواقع المُحزِن والطموح المُفْرِح.. “الثورة” تفتح ملف الصناعة السورية

الثورة – تحقيق هلال عون:

في ظل قرار القيادة الجديدة بالانتقال إلى النظام الاقتصادي الحر تفتح صحيفة الثورة ملف الصناعة في القطاعين الخاص والعام للحديث عن المطلوب للبقاء والمنافسة والتفوق.
في محاولتنا للإحاطة بهذا الموضوع الكبير استمعنا لوجهات نظر وآراء متعددة لباحثين ومستشارين اقتصاديين ولرجال أعمال ناجحين هم على التوالي:
الصناعي أ. عاطف طيفور.. وعضو غرفة تجارة دمشق والباحث الاقتصادي أ. خالد الخن، وعضو غرفة صناعة وتجارة دمشق د. م. ياسر أكريّم، والمحاضر بمجال الاقتصاد الإداري والإدارة العامة وإدارة الموارد البشرية د. عبد المعين مفتاح.
وبسبب ضخامة الموضوع ارتأت صحيفة الثورة تقسيمه إلى جزأين، والجزء الأول مع الصناعي طيفور والباحث الاقتصادي الخن.. لنتابع التفاصيل:
الترميم
يقول الصناعي أ. عاطف طيفور: إن السوق المفتوح بحر من المعادلات ويحتاج إلى مجلدات، وهو يفتح أفق المنافسة الشريفة، وهذا عرف العرض والطلب، وأهم بنود ذلك هو الميزان التجاري، وترميم الاحتياطي من القطع والذهب، وترميم الاقتصاد العام والسياسة النقدية والمالية، والحل الوحيد لترميم هذه البنود الاقتصادية هو دعم الإنتاج بشقيه الزراعي والصناعي.
وبداية هذا الترميم، حصر الأولوية بالاقتصاد المفتوح وفق الموارد المتاحة على دعم المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج وتفعيل الضميمة على دليل خاص لبعض الصناعات السورية، وترشيد المواد الاستهلاكية والرفاهية بشكل متوازن وليس منعها.

خطورة الاستيراد المطلق
يرى طيفور أن تضخم تكاليف الإنتاج بجميع أنواعها حالة استثنائية بالمقارنة مع دول الجوار والدول الصناعية، وأن فرط الاستيراد بتسهيلاته المطلقة سينعكس بشكل مباشر وفوري على الإنتاج الوطني بشكل متسارع ومتدرج، والبداية كساد وخسائر، والنهاية إغلاقات، وتحويل جميع رؤوس الأموال إلى التجارة بدل الإنتاج، وتحويل هذا الوطن الإنتاجي إلى بلد مستهلك يعتاش على بعض موارد القطع المحدودة.
سوريا حالة خاصة
لا يمكن مقارنة نجاح السوق المفتوح بتجارب الدول الإقليمية أو العالمية، بسبب الحالة الخاصة لسوريا المنهكة والمدمرة والمجروحة بكل القطاعات، ولذلك علينا ابتكار تجربة فريدة بعيدة كل البعد عن المعادلات الأكاديمية والنظريات التقليدية.
ويرى أن الانفتاح السياسي والانفراج الداخلي الحالي والقادم سينعكس بشكل مباشر على عودة نسبة ضخمة من المهجرين والمغتربين، مما سينعكس على انخفاض قيمة حوالات المغتربين السنوية، الأمر الذي يستوجب إعادة النظر بموارد القطع والبحث منذ اليوم عن تعويض هذا الفاقد.
ويتابع: الانفتاح القادم بأسواق السيارات وعودة العقارات المستملكة إلى أصحابها، والفروغ، وعودة بعض المناطق المدمرة للخدمة، وإلغاء بعض المخططات التنظيمية الجائرة، سينعكس على ارتفاع فاتورة المستوردات، مما سينعكس على زعزعة سعر الصرف ونسبة التضخم.
اقتراحات لوزارة الاقتصاد
وتقدم طيفور بعدد من المقترحات لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، يمكن اختصارها بما يلي: تحويل الشركات الإنتاجية إلى شركات مساهمة عمومية، والمؤسسات إلى شركات قابضة هو الحل العصري لرفع نسبة الإنتاج وترميم القطاع العام المدمر بالتوازي مع تخفيض نسبة التداول عن طريق الأسهم لمكافحة التضخم.
واستحداث شركة مساهمة عمومية لوزارة الكهرباء محصورة بالطاقات المتجددة ومنفصلة عن التوليد التقليدي، وتخصيص الأراضي للشركة بما يتناسب مع خطة الوزارة ٤٥٠٠ ميغا، واستحداث شركة مساهمة عمومية لوزارة الزراعة منفصلة عن الخطة الزراعية وتخصيص الأراضي للشركة بما يتناسب مع الخطة الزراعية.
إضافة إلى تحويل المصارف العامة إلى شركات مساهمة عمومية كفيل بتطوير القطاع العام المصرفي ومكافحة الهدر والفساد، وتحويل الشركة السورية للتجارة إلى شركة مساهمة عمومية لجذب جميع الموردين، وفتح أفق الاستثمار بالزراعة والتغليف والتعبئة.
المؤسسة العامة للإسكان
كما تقدم بمقترحات أهمها: تحويل المؤسسة العامة للإسكان إلى شركة مساهمة عمومية لتوسعة رأس المال والاستثمار والتوسع بالعمران، وتنفيذ المشاريع المعلقة، وطرح مشاريع جديدة، مما يساهم بسحب كتلة نقدية ضخمة من المدخرات والأموال المدفونة وتخفيض نسبة التضخم بأسواق العقارات، والتوسع بمشاريع أبنية للإيجار السنوي مما يساهم بتخفيض نسبة تضخم الإيجارات.
والتشاركية بالإنتاج عبر القرار ١٦٦٤ للتشغيل للغير، مما يساهم برفع نسبة الإنتاج وتشغيل القطاع العام وسحب كتلة نقدية ضخمة من الأسواق والمدخرات والقطع، وعقود الاستجرار للمواد الزراعية والصناعية المصنعة والمستوردة ومستلزمات الإنتاج والمحروقات هو سحب مسبق للكتلة النقدية مما يساهم بتخفيض التضخم، واستقرار للمواد الأولية ومستلزمات الإنتاج وتثبيت أسعارها لسنة.

تسعير المحاصيل الزراعية

وفي إطار تسعير المحاصيل الزراعية بين طيفور أن المقترحات في إطار ذلك تتلخص بإعادة هيكلة منظومة تسعير المحاصيل الزراعية الإستراتيجية، وبدايتها تسعير المحاصيل بالسعر العالمي بالإضافة لنسبة حوافز لرفع نسبة الإنتاج وتوسيع الرقعة الزراعية، ودعم المخرجات الإنتاجية بدل دعم المدخلات، وإعادة تفعيل قانون الإصلاح الزراعي بتأجير الأرض ١٥ سنة لتصبح طابو، وفراغ الأراضي المؤجرة القديمة والمعلقة لإمكانية منحها المزايا والتسهيلات الزراعية.
إضافة إلى ضبط الاحتياطي الكسري بالمصارف عند الإقراض وذلك بإعادة قيمة القرض ضمنياً عبر فرض التداول المصرفي لاستخدامات القرض، وتخصيص القطع الأجنبي للمناقصات الداخلية لتخفيض الهدر الضخم بهامش الأمان، وحصر الكفالات المصرفية بالكفالات الإلكترونية عبر المصارف بالإيداع المسبق، وتفعيل الدفع الالكتروني للتأمينات الاجتماعية مما يساهم بضبط كتلة نقدية ضخمة بالأسواق.
الرواتب والأجور
وبالنسبة للرواتب والأجور فاقترح أن يتم رفع الحد الأدنى للرواتب بالقطاع الخاص بالتوازي مع فرض توطين الراتب، مما يساهم بضبط كتلة نقدية ضخمة وتحقيق وفر مالي لموازنة رواتب القطاع العام، ومنح الموظفين والعمال جزءاً من الأسهم عبر الشركات العمومية المستحدثة أنجح وسائل زيادة الرواتب بطريقة عصرية دون عبء على الموازنة.
وتحويل مؤسسة التأمين إلى شركة مساهمة عمومية واستحداث التأمين الصحي الإلزامي، وإعفاءات مقابل وديعة مصرفية بالدولار من ١-٥ سنوات حسب تصنيف الرسوم.
إصلاحات عميقة وتحوّل تدريجي
عضو غرفة تجارة دمشق، وباحث في الشأن الاقتصادي خالد الخن، قال: في ضوء الواقع الراهن والضرورات التي تفرضها المرحلة، قررت الحكومة الجديدة اعتماد اقتصاد السوق الحر، وهو ما يفرض تحديات كبيرة، ويتطلب إصلاحات عميقة ومراحل تحوّل تدريجيّة لضمان نجاح تطبيق هذا النموذج بما يتناسب مع سوريا الجديدة.
وفي ظل التحديات التي يواجهها اقتصاد المرحلة القادمة، لابد من اتخاذ عدة إجراءات لضمان استمرار الصناعة الوطنية وتطورها بما ينسجم مع الظروف القادمة.
مقترحات تنظيمية
وبطريقة أكاديمية وبتكثيف علمي، تحدّث عن أهم الإجراءات المطلوبة من الصناعيين، ويمكن عرضها كما يلي:
ضرورة ترتيب أمورهم والتوحد والانسجام فيما بينهم بما يخدم دمج مراحل سلاسل التوريد، (أي الاعتماد على ما يمكن إنتاجه داخلياً من المواد الأولية وتطوير هذا الأمر، وبالذات المواد الزراعية ذات الاستخدام التصنيعي) وحسب تكامل كل قطاع صناعي، والعمل على تعزيز التعاون والتشاركيّة بين الصناعيين وتعزيز ثقافة الاندماج بين الصناعات الصغيرة والمتوسطة بهدف تشكيل كيانات وتحالفات صناعية قادرة على التنافس في الأسواق الدولية.
وكذلك تطوير ما يلزم من خطوط إنتاج وخاصة أنه صدرت قرارات حكومية لإعفاء الآلات من الرسوم الجمركية فهذه فرصة كبيرة لتحديث ما يلزم ليتمكن الصناعي من المنافسة، والعمل على الابتكار في الصناعات واعتماد مفهوم الهندسة العكسية، (وهي إعادة تفكيك المنتج وإعادته كمادة أولية بهدف التعرف على خصائصه، وإمكانية تطويره) لتحليل المنتجات المنافسة، وبالذات منتجات الصناعات الهندسية الإلكترونية والطبية المستوردة، وذلك بهدف تصنيعها محلياً.
والاستفادة من الانفتاح السياسي على سوريا في المرحلة الحالية، وإنشاء أسواق تصديرية جديدة لدول العالم وإعادة الارتباط بالأسواق التقليدية التصديرية للمنتجات السورية، وذلك من خلال التواصل مع أسواق الدول المختلفة، ويكون ذلك من خلال التعاون بين غرف التجارة وغرف الصناعة عبر لجان مشتركة، والعمل على تشكيل مفهوم اتفاقيات التصنيع التعاقدي (أي اتفاقيات التصنيع لصالح الغير بحيث يتم توريد المواد الأولية من الجهة الطالبة والتصنيع يتم داخل المصانع السورية)، وذلك لإمداد الأسواق المجاورة مثل الأسواق التركية والخليجية، وبالذات في الصناعات الزراعية الغذائية والصناعات النسيجية.

مفهوم التنمية الصناعية
وتحدث الخن عن الإستراتيجية الحكومية، مشدّداً على أنها يجب أن تتضمن مفهوم التنمية الصناعية كأساس لدعم القطاع الصناعي والعمل على عدة إجراءات، أهمها:
إحداث مجلس أعلى للصناعة، يكون مرتبطاً برئيس مجلس الوزراء، ومهمته رسم الإستراتيجيات الصناعية للدولة، والعمل على تعزيز الاستثمار الأجنبي، وإحداث منصب معاون وزير الصناعة أو مستشار وزير الصناعة لشؤون القطاع الخاص، وذلك لتسهيل التواصل بين جميع الأطراف بشكل مباشر.
إطلاق صندوق مالي
وبين أنه يجب إطلاق صندوق مالي دائم لدعم المنتج الوطني ضمن هيئة الاستثمار وتكون آليات الدعم عبر هذا الصندوق من خلال دعم العملية التصديرية بأدوات مالية عبر برامج تنمية لقطاعات صناعية معينة تتميز بها سوريا، وذلك من خلال رد أعباء الصادرات، مثل أجور الشحن أو إعادة الرسوم الجمركية للمواد الأولية التي دخلت في المنتجات المصدرة من سوريا ومرونة التعامل في الأسعار التأشيرية.

ودعم المشاركة في المعارض الدولية الخارجية عبر تحمل جزء من تكاليف الشحن وتكاليف المشاركة في هذه المعارض الدولية الخارجية من ديكورات ورسوم اشتراك وغيرها، وتخفيض الرسوم الجمركية على مدخلات الإنتاج، ولابد أن تكون صفرية وبالذات للصناعات ذات القيمة المضافة العالية.
إضافة إلى تخفيض أسعار الكهرباء على المصانع، وتخفيض أسعار الوقود مثل المازوت والفيول المورَّد للمصانع، ودعم الصناعات الفكرية مثل الصناعات البرمجية والإلكترونية.
مناطق تنمية اقتصادية
وفي إطار مناطق التنمية الاقتصادية أوضح الخن أنه يجب إصدار قرارات باعتبار المناطق الصناعية الحالية مناطق تنمية اقتصادية حرة، وإمكانية إصدار شهادات منشأ سورية للمنتجات ضمن هذه المناطق بعد اعتمادها كمناطق حرة، وتشجيع إقامة المشاريع الصناعية ذات إنتاج المواد المستخدمة في البنية التحتية لإعادة الإعمار، والاستفادة من الدبلوماسية الاقتصادية في السياسة الخارجية في دعم العملية التصديرية للمنتجات المصنعة في سوريا.
وكذلك العمل على إمكانية دعم الصناعيين في تطوير خطوط إنتاجهم عبر سياسات تمويلية شرعية من أجل التسهيل على الصناعيين تطوير صناعاتهم بقروض شرعية ميسرة (أي القروض التي تمنح وفق مبدأ المشاركة بالاستصناع أو بالاستزراع، أو أن تكون معفية من الفوائد)، وتطوير مناهج التعليم الفني والتقني بالتشاركية مع القطاع الصناعي لإيجاد مناهج تواكب سوق العمل.
وأهم نقطة مطلوبة من الحكومة في هذه المرحلة هي التواصل المباشر مع الصناعيين والمستهلكين والاستفادة من التغذية الراجعة (أي إحداث أدوات لقياس جودة المنتجات السورية، وإحداث مكاتب للتواصل المباشر مع الصناعيين والمستهلكين وأخذ أرائهم في المواضيع المختلفة وليس فقط عبر غرفة الصناعة) مما يسهم في عدم اتخاذ القرارات التنظيمية للحالة الصناعية بصفة فردية.
إضافة إلى دعم الصناعات السورية القادرة على المنافسة كالصناعات النسيجية والغذائية والهندسية والصناعات التحويلية والصناعات البرمجية، وهي صناعة رائدة جداً، نظراً لخبرات الشباب السوري بهذا المجال، ولكن المطلوب دعم هذه الصناعة لتنافس دولياً عبر تشكيل تجمعات تقنية.
الحلقة الأولى (1 من 2)
#صحيفة_الثورة

آخر الأخبار
في أخطر سنوات عدوان النظام البائد على شعبنا.. هكذا زادت رسوم تراخيص البناء بنسبة 900% الدكتور الشرع يتفقد الخدمات في مستشفى اللاذقية توقعات بنمو اقتصاد المعرفة إلى 75% مع بداية 2025 أبناء الرقة يناقشون همومهم ورؤاهم مع اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني وفد قبرصي في دمشق.. نيقوسيا تبحث رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا الرئيس الشرع والسيد الشيباني يستقبلان وفدا قبرصيا رفيع المستوى بازار "ألوان سوريًة".. طباع لـ"الثورة": إقبال عربي ودولي و160 سيدة أعمال شاركن بالبازار دعماً لمستشفى درعا الوطني.. رجل الأعمال موفق قداح وأبناؤه يقدمون 200 ألف دولار تعاون مع  "أطباء من أجل حقوق الإنسان" لتعزيز الطب الشرعي انطلاق الجلسة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في السويداء تجمع أبناء الجولان المحتل بدرعا:  النظام البائد باع الجولان وهمش أهله ونقف مع إدارة سوريا الجديدة هل تستعيد حلب دورها الاقتصادي؟ الاحتلال الإسرائيلي يضع بوابة على مدخل المحمية الطبيعية في بلدة جباتا الخشب في الجولان غراندي: تعزيز جهود التعافي المبكرة في سوريا ضرورة لعودة اللاجئين سوريات يخلقن فرص عمل.. مشاريع منزلية بعضها يعود إلى 45 عاماً استجابة لما نشرته "الثورة".. نقل درعا تعيد دائرتها للصنمين مدرسو كلية الفنون الجميلة تجمعهم كلمة "سوريا" محمد المحاميد.. الشهيد الذي وُضع في ثلاجة الموتى حياً وكتب وصيته على جدرانها بدمه "الولاية القضائية العالمية وتوثيق وأرشفة الأدلة" بورشة متخصصة بدرعا صباح الوطن الجميل من بصرى التاريخ