حسن عبد القادر:
منذ أربعة عشر عاماً كلما حاولت الهروب وجدت نفسي داخل التيار.
أحاول أن أسرق بعض الذكريات من تراتيل المسافة التي كانت مقطوعة بسبب حاجز يقف عليه جندي لا يعرف إلا لغة الموت.
رصاصة تبكي داخل حجرة الانفجار تصيح ألا أريد أن أقتل أحداً والقاتل ينتظر المارة على تعطش دراكولا للدماء.
لا لغة سوى لغة الموت.
لا لغة سوى لغة الرصاص.
ولا شيء سوى مسافة تحاول أن تقترب منك وأنت الهاربة من كل شيء إلا أناي التي تعيش داخل التيار.
كل أنة كانت تزرع على الشفاه تكتب سيرة ذاتية لفقد يسكن في أحد الزوايا وتناديها المسافة من التالي.
أنا المبعثر في كل مكان بلا أجزاء.
قطعة واحدة من القلب تركض إلى الوراء إلى ذكرى غمزة في طريق مكتظ بالأشباح.
إلى ذكرى موعد تم إلغاؤه لأنني لم أكن أملك ثمن هدية تليق بعينين يسكنها الجمال.
إلى ذكرى فتاة عبثاً تحاول أن تغادرني دون جدوى.
إلى ذكرى صرخة ملأت روحي “حرية”.
إلى ذكرى طائرة رمت حمولتها وطفل بين الركام يبحث عن الذي يخرجه ثم يعود إلى الركام.
إلى ذكرى برميل يهوي وكأن كل شيء ضاع حتى أنا.
مسافة تساوي تسعين كيلومتراً كانت كفيلة بسرقة آلاف الزوايا وبكاء الدموع وليس فقط العيون.
دبابة في الزاوية المقابلة تنتظر أمر نار كي تزداد الذكريات حزناً والمسافة بُعداً كما ابتعدت عنك حين تجاوزت الحاجز الأول فالرجوع كان حينها موت.
لم تكن الليلة حينها سوى تشابك في كل شيء إلا أيدينا. الرصاص كان متشابكاً وكأنه عاشقين قد التقيا والغائب أنت عن كل شيء وعن يدي.
كنت أحتاج حينها لتوفيق الحكيم ليعطيني شربة من نهر جنونه لعلني أرى المسافة التي تفصلنا هي المسافة صفر كي لا نفترق.
كنت أحتاج ميخائيل نعيمة كي أُبحر معه في اليوم الأخير ومن ثم أعبر إليك..
كنت أحتاج القليل من الوقت لأحصل على رقمك عند باب المدينة الجامعية عندما مُنعت من الدخول من قبل بندقية على كتف أحدهم لأنني لست معهم أو لا أحبهم فلربما استطاع قراءة وجهي فمنعني حتى غبت خلف المسافات.
لا شيء يشبهك اليوم سوى صورتك في الذكريات.
المسافة الآن وكأنها السادسة فجراً بتوقيت دمشق.
لاشيء فيها سوى النصر بدونك أنت.