موسى الأسعد
أكمل جيش الاحتلال الإسرائيلي أول الأمس انسحابه من جنوب لبنان وفقًا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024 ، ومع ذلك، يواصل التمسك بخمس نقاط استراتيجية في منطقة محدودة للغاية على طول الحدود.
ينبع قرار إسرائيل بالإبقاء على وجودها في هذه النقاط – في المواقع المهيمنة والمتاخمة للمستوطنات الإسرائيلية – من عدة اعتبارات كما يسرب إعلامها، بما في ذلك التقييم بأن الجيش اللبناني سيكافح، على الأقل في المدى القريب، للانتشار الكامل في جميع أنحاء المنطقة والعمل ضد جهود ميليشيا “حزب الله” لاستعادة وجوده في جنوب لبنان، كما يقتضي الاتفاق، وكذلك المزايا الاستخباراتية والعملياتية التي توفرها هذه المواقع الاستراتيجية للدفاع عن المستوطنات وضرورة تعزيز الشعور الأمني لدى مستوطني الشمال الذين تم إجلاؤهم لتشجيعهم على العودة إلى منازلهم.
يطالب “حزب الله” بالانسحاب الفوري لجيش الاحتلال الإسرائيلي من كل جنوب لبنان، بل إنه هدد باتخاذ إجراء إذا لم يحدث ذلك، دون أن يحدد كيف “كما ورد في الخطاب الأخير لنعيم قاسم” معتبراً أن استكمال الانسحاب الإسرائيلي أمر في غاية الأهمية، لأنه سيعزز مزاعمه بالنصر في الحرب – وهي ادعاءات من المرجح أن يعلنها رسمياً خلال الجنازة المقررة لنصر الله وخليفته في 23 شباط/ فبراير.
كما عارضت القيادة اللبنانية الجديدة علناً استمرار الوجود الإسرائيلي في هذه النقاط، لأنه يشكل امتداداً للاحتلال، وانتهاكاً للسيادة اللبنانية، وانتهاكاً للاتفاق، رغم أن بعض المحللين يقولون أنها قبلت الوضع ضمنيًا في ضوء الدعم الأمريكي لإسرائيل، وفي ضوء مصلحة الدولة اللبنانية في نشر جيشها هناك ومنع إعادة ترسيخ حزب الله لوجوده في الجنوب باعتباره ميليشيا مستقلة ونزع سلاحه، كما اقترحت بمهارة المبادئ التوجيهية السياسية للحكومة الجديدة في السابع عشر من فبراير/شباط الحالي ، ورغم ذلك فقد أوضح الرئيس اللبناني ورئيس الوزراء أنهما سوف يستمران في ملاحقة الانسحاب الإسرائيلي الكامل “من خلال السبل الدبلوماسية”
ونظراً لهذه الظروف، فمن المرجح أن تواجه إسرائيل ضغوطاً مستمرة – سواء من لبنان أو الجهات الفاعلة الدولية – لإخلاء هذه النقاط في أقرب وقت ممكن، وقد تصبح هذه القضية نقطة خلاف بين إسرائيل والقيادة اللبنانية التي تتمتع بدعم فرنسا، عضو اللجنة المشرفة على تنفيذ الاتفاق، وقد يستغل حزب الله أيضاً الوجود الإسرائيلي المستمر ويسوقه كدليل على ضعف الجيش اللبناني في مواجهة إسرائيل وكمبرر للحفاظ على مكانته كميليشيا مستقلة، وتصوير نفسه على أنه الحامي الحقيقي للبنان، وبمرور الوقت، يمكن أن تصبح قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في هذه المواقع أهدافًا للهجوم.
في ظل هذه الظروف – حيث يكون لإسرائيل مصلحة راسخة في إضعاف حزب الله بشكل أكبر، مما قد يؤدي إلى نزع سلاحه، وفي الوقت نفسه تعزيز الدولة اللبنانية تحت قيادتها الجديدة – تفكر إسرائيل بتقليل مدة سيطرتها على هذه النقاط الخمس وإعادة نشر قواتها على طول الخط الأزرق في أقرب وقت ممكن، ويتعين على إسرائيل أن توضح الآن أن وجودها في هذه النقاط مؤقت، وأنها ستنسحب بمجرد نجاح الجيش اللبناني في الانتشار في المنطقة وإثبات قدرته على التعامل مع التحدي الذي يشكله حزب الله، ومن الممكن أيضاً أن يؤدي الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال الإسرائيلية من جنوب لبنان إلى تعزيز الدعم الأميركي وغيره من الدعم الدولي للعمل العسكري الإسرائيلي المستمر ضد حزب الله وتهديداته، على النحو الذي يسمح به الاتفاق في حالة فشل الجيش اللبناني في التصدي لها.
#صحيفة_الثورة
