الثورة – فؤاد العجيلي:
مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، عمل النظام البائد على طمس معالم الحضارة، ومحو هوية العلم والمعرفة التي امتازت بها بلاد الشام على امتداد مئات القرون، وكان النصيب الأكبر لمدينة حلب القديمة التي تعرضت معظم أوابدها الدينية للتدمير بفعل جيش النظام البائد وحلفائه من أجل تمكين المد الفارسي بسط سيطرته على كامل مدينة حلب.
في مقال اليوم نقف عند معلمين هامين من معالم حلب الدينية “المدرسة الخسروية والمدرسة السلطانية”، وتقعان قبالة قلعة حلب، لتؤكدا للعالم أن قلعة حلب ومحيطها منارة للعلم والمعرفة والإيمان.
المدرسة الخسروية
بنيت في مدينة حلب في عهد الدولة العثمانية 1546 م 951 هـ، وقد صممها المعماري العثماني الشهير المعمار سنان باشا، وتعرضت للهدم نتيجة زلزال حلب 1237 هـ، ثم اهتم بها والي حلب جميل باشا فرمم القبلية، وفي سنة 1330هـ – 1912م، جددت المدرسة بمساعي الشيخ رضا الدمشقي الذي كان قيماً عليها.
أزهر حلب
أعيد افتتاح المدرسة سنة 1920م بمساعي مدير الأوقاف حينها يحيى الكيالي وأعاد ترميمها، وكان حاكم دولة حلب ذلك الوقت مرعي باشا الملاح وقد أهدى لهذه المدرسة 120 كتاباً قيماً، وعرفت باسم الثانوية الشرعية، وقد أطلق عليها لقب “أزهر حلب”، وفي عام 1959م أعيد تنظيم التعليم الشرعي في مدينة حلب ودمجت بعض المدارس الشرعية (الشعبانية)، فأطلق على المدرسة الخسروية اسم الثانوية الشرعية وأدخل على منهاجها بعض التعديل وهي ما تزال إلى يومنا هذا ماضية قدما في تدريس العلوم الشرعية حيث يدرس فيها الطالب بدءاً من الصف السابع ويتخرج منها بعد حصوله على الشهادة الثانوية الشرعية.
من البناء إلى التدمير
ولم تسلم هذه المدرسة من آلة التدمير التي كان يديرها النظام البائد حيث تعرضت لتفجير كبير عام 2014 و تحولت لحفرة عمقها 25 متر تقريباً، ومازالت حتى الآن تنتظر من يعيد بناءها، و لم يعرها النظام البائد أي اهتمام لأن العلم الشرعي خارج اهتماماته.
المدرسة السلطانية
بُني جامع السلطانية في العهد الأيوبي ليكون منبعاً من منابع العلم والنور، وكان مدرسة تسمى الظاهرية (الجوانية) أنشأها الملك الظاهري غازي بن صلاح الدين الأيوبي سنة (613هـ- 1223م) وفيها توفي، وخَلَفَهُ ابنه الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر غازي.
يقع جامع السلطانية في مخطط مدينة حلب تجاه القلعة من الجهة الجنوبية المحضر ويُعتبر أحد أهم نفائس العمارة التاريخية والإسلامية، ويوجد في الجانب الشرقي من القبلية مدفن فيه قبور أحدهما للغازي بن صلاح الدين الأيوبي وقبر لأحد خواصه قيل أنه لزوجته ولابنه.
رمم جامع السلطانية للمرة الأخيرة في سنة 2005م، فكان آية من آيات الجمال والبهاء باسطاً هيكله أمام المدخل الرئيسي لقلعة حلب الشامخة يحكي لنا حقبة الأيوبيين، يفيض نوراً ووقاراً ويعد من أقدم المساجد وأجملها في سوريا.
دمروا التاريخ
بتاريخ 7/12/2014 كانت المدرسة السلطانية هدفاً مباشراً للعمليات العسكرية التي قامت بها قوات النظام لتدمير حضارة حلب القديمة الثقافية والعلمية، وتحولت المدرسة إلى كتلة من الأنقاض المتراكمة بعدما اختفت معالمها ولم يبق منها إلا قسم من مدخل الجامع وقسم من المئذنة.
حلب تستنهض الهمم
سعى النظام البائد إلى عدم ترميم هذين المعلمين تحت حجج وذرائع واهية، وكأنه كان يبغي طرحهما للاستثمار، كما باقي معالم حلب الأثرية.
علماء حلب وطلاب العلم فيها حينما يستذكرون المدرستين الخسروية والسلطانية، تذرف دموعهم شوقاً لإعادة إعمارهما، حتى تعود إشعاعات نور العلم والمعرفة منهما، كما كان في السابق، لتكون إعادة إعمارهما بداية تأريخ لمرحلة جديدة في تاريخ سوريا المعاصر، سوريا الجديدة التي نأمل أن تعيد لحلب مكانتها الحضارية والثقافية.