سعاد زاهر:
لم نكن نحلم يوماً، أننا نستطيع أن نتحدث في هذا الفضاء الحر، أن نتظاهر، أن نعترض، أن نتصارح ونملأ كل هذا الفضاء الأزرق صوتاً كان مكبوتاً لعهود طويلة، أفضت بنا إلى مستنقعات الكارثة، وملأت الصدور سواداً ولم تتمكن يوماً من حقن الدماء منذ أشهر ثلاثة.. والفضاء الأزرق يئن تحت وطأة الاحتكام إلى العاطفة، تجييش وتحريض، وفتن من نوع رخيص، قد يسهل على البسطاء تصديقها والانجرار خلف تلك الكلمات المضللة، في مرحلة تتغير على وقع إيقاع الشعب الذي أراد الحياة.
توقعنا أن تبقى تلك الحالة على مواقع التواصل، وألا تنتقل لتصبح حقيقة، راهنا على الوعي، ولكن ما نعيشه من اختطاف العقول، والاستهانة بقوى التغيير، والعراقيل التي توضع معتقدة أنها قد توقع الحصان وتخطف العربة، كلها أسباب لن تفضي بنا إلا إلى مزيد من الخراب… خراب يسعى إليه هذا الفضاء الأزرق المريب.. فضاء يمتلئ بخطاب في كثير من الأحيان بالعنف والتحريض، والأمر المزعج أنه يلقى رواجاً، وكل من يتدخل ليبث فيديوهات مستمدة من وحي هذه الحالات يحصد “لايكات” إعجابات لم يكن يحلم بها، وبالفعل فقد ازداد عدد من يعتمد هذه الحالات للشهرة والانتشار، ولا يمكننا التكهن بصدق النوايا. ولنفترض أنها صادقة، ولكن الطريقة التي تقدم فيها تلك المرئيات حين تنتصر لطرف، أو جهة، من خلال وقائع محدودة ووجهات غارقة في فئويتها، فإنها تشكل خطورة لا ندري إلى أي درجة يمكن لمنعكساتها أن تأخذنا إلى حال خطيرة للغاية.
لا يهمني حتى رأيي الذاتي..لا يهمني أن أثبت أحقية وجهة نظري العاطفية.. نحتاج إلى المنطق، الحكمة، ما تمر به البلد ليس مجرد حالة انتقالية، بل مرحلة شديدة الخصوصية في واقع يفترض بنا عدم العبث به، أو الأصح استغلاله لتأليب بعضنا، على بعض.
هل أفادنا فيما مضى انجرارنا نحو شخصيات لم تفكر سوى بمصالحها وذاتيتها ومكونها الضيق، الأمر الذي أفضى بنا إلى خراب حتى الآن نحاول النهوض منه.
لو أننا نترك كل هذا العبث بما لا نفقه، وينصرف كل منا ليجند ذاته ومن حوله للاشتغال على ما ينفعنا ويطورنا، ويعطي نتائج إيجابية لبلدنا، التي بتنا ندرك أكثر من أي وقت مضى، أن لا راية عز لسوري إلا في وطنه، ولا سور يحميه سوى حصنه القوي.
اليوم أكثر من أي وقت مضى نحتاج إلى بعثرة كل ما يجرحنا.. يفرقنا، كل ما يفتننا..ونحن نعيش أجواء الشهر الفضيل، لنرتقي بأنفسنا وأرواحنا إلى مستويات روحية، لعلنا نكون معاً بلسماً نخفف أوجاع بعضنا، ونركز على إعانة الركب السائر لبناء الوطن، ندفع معهم عربة النهوض بالبلد لعلنا نصل بسرعة أكبر.