“الأمن السوري” واقعٌ جديد لم يعايشه السوريون في عهد النظام البائد

الثورة – محمد العلي

تحوّل مفهوم “الأجهزة الأمنية” لدى السوريين عقب ثلاثة أشهر من الإطاحة بنظام بشار الأسد المخلوع من كابوسٍ يُرعب المواطن إلى مظلةٍ تحميه، فبعد عقودٍ من حكم آل الأسد كانت الأجهزة الأمنية أدواتٍ للقمع والتسلّط، جرى حلّها بانتصار الثورة السورية ليحلّ محلّها “جهاز الأمن العام” كمؤسسةٍ وحيدة تأخذ على عاتقها أمن السوريين.
السوريون الذين اعتادوا على الخوف من مجرد ذكر اسم جهاز أمني ما، لمسوا فوارق جوهرية في المؤسسة المولودة من رحم الثورة، فوارق أصبحت حديث الشارع بين ماضٍ مليء بالذكريات الإرهابية المؤلمة وحاضر لا يتهاون في حقوق المواطنين أو في حماية حقوقهم الملكية والدستورية وأمانهم كأفراد ومجتمعات تستحق أن يكون التغيير واقعاً ملموساً في حياتهم اليومية.

دولة بوليسية قبيل إسقاط النظام البائد، كانت سوريا أشبه بدولة بوليسية، مع التحفظ على هذه التسمية للضرورة الصحفية، وإلا لقلنا دولة تحكمها عصابات دموية مجرّدة من أدنى القيم والأخلاقيات، كما أرادها الأسد الهارب إلى موسكو.
دولة لديها أربعة أجهزة أمنية مركزية، هي: “شعبة المخابرات العسكرية” والفروع التابعة لها، والمخوّلة باعتقال أي شخص دون محاكمة تحت ذريعة “الإرهاب” أو “المساس بأمن الدولة”، و”إدارة المخابرات الجوية’ المسؤولة عن غالبية الجرائم بحق المعارضين لآل الأسد، و”إدارة المخابرات العامة” وفروعها المسؤولة عن التجسس على السوريين وملاحقتهم بتهم ما أنزل الله بها من سلطان، و”إدارة الأمن السياسي” ومفارزها المسؤولة عن قهر السوريين وترهيبهم، ولن نعيد تدوير العجلة، ولا نودّ الحديث عن المؤسسة العسكرية “الجيش السوري”، الذراع الضاربة في قمع وقتل مئات الآلاف من المدنيين بتوجيهات من الأجهزة الأمنية.
بُعيد اندلاع شرارة الثورة السورية منتصف مارس/آذار 2011، أطلق النظام السوري يد الأجهزة الأمنية ومنحها صلاحيات تمنع أي رقابة عليها وتحظر محاسبة أي انتهاك يصدر عنها، لتصبح سيفاً مسلطاً على رقاب المواطنين.

ولم يقتصر دور تلك الأجهزة، التي جرى تفكيكها، على قمع الثورة السورية وتصفية الثائرين واعتقالهم فحسب، بل أصبحت عبارة عن عصابات منظمة تصنع المخدرات وتدير شبكات تهريب واتجار محلية وأخرى عابرة للحدود والقارات.

ووصلت جرائم تلك الأجهزة لأبعد من الاتجار بالمخدرات، إذ أدانت منظمات وشبكات حقوقية بالأدلة القاطعة قيام أجهزة الأمن والاستخبارات بالاتجار بالأعضاء البشرية للمعتقلين والمفقودين والمغيبين قسرياً.

وخصص النظام البائد فرعاً أمنياً (فرع الخطيب)، المرتبط بشكل مباشر مع المكتب الاقتصادي في القصر الجمهوري ومع أسماء الأسد، لابتزاز السوريين، مهمته الوحيدة ملاحقة أي مواطن بحوزته أي عملة أجنبية، ولو كانت بقيمة دولار أمريكي واحد، واعتقاله بتهم الإخلال بالأمن الاقتصادي، إضافة إلى اعتقال التجار والصناعيين وابتزاز عائلاتهم لدفع فديات مالية مقابل الإفراج عنهم، تراوح بعضها بين 100 ألف و5 ملايين دولار أمريكي، ولعلها أهون المصائب التي حلّت على هاتين الفئتين، فأصحابها المفرج عنهم انسلخت عنهم أموالهم وبقيت جلودهم.

الأمن العام من منظور الشارع السوري عقب عملية ردع العدوان التي أطلقتها فصائل الثورة السورية في 26 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الفائت، لجأت إدارة العمليات العسكرية إلى جهاز الأمن العام العامل في محافظة إدلب – سابقاً – لتعزيز الأمن والاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها، فيما تواصل الفرق العسكرية دحر جيش النظام البائد والميليشيات المساندة له.
ولا يُلام السوريون في الأيام الأولى للتحرير، عبر هواجسهم وتخوفاتهم من “جهاز الأمن العام”، على اعتبار أن تجاربهم خلال العقود الخمسة الماضية مع المؤسسة الأمنية كانت مؤذية جداً، ومقرونة بعبارات “الحيطان إلها آذان” كناية عن الجواسيس، و”كتيبة التقارير” المتعاونين مع الأجهزة الأمنية، و”بضيعته ما اندفن” كناية عن عدم معرفة مصير المعتقل لدى فرع أمني، وغيرها الكثير من العبارات.
تجربة الجهاز الأمني الناشئ في إدلب لم تكن مألوفة للشعب المحكوم بقبضة من فولاذ؛ جهاز يحرس المرافق العامة وممتلكات المدنيين، ويلاحق العصابات والمطلوبين بقضايا جنائية، ويحبط تحركات فلول النظام البائد والجماعات المرتبطة بإيران.
ولأول مرة، يعايش السوريون جهازاً أمنياً لا يبتزهم، عناصره يشترون حاجياتهم ويدفعون ثمنها، يستقلون وسائط النقل العام ويدفعون التذكرة، يسهلون عبور المرضى ويفضّون الازدحامات أمام سيارات الإسعاف، ويشاركون في حماية التجمعات، ويساعدون كبار السن في نقل حوائجهم، لا يتدخلون في حياة الناس ولا يعترضون على أي من العادات والتقاليد، ويتصرفون كأبناء المجتمع السوري لا كجلادين مسلطين عليه لترهيبه.

جميع كوادر جهاز الأمن العام هم من أبناء الثورة السورية التي حاربت عصابات الأسد، المتمثلة بمؤسسته الأمنية القمعية، وقدمت تضحيات ليس أولها الدماء ولا آخرها النزوح، كما أنّ جميعهم على إدراك كامل بأحوال الحاضنة التي ينتمون إليها والتي يحرصون على حفظ سلامتها.
وأكثر ما يركّز عليه السوريون في حديثهم هذا هو أخلاق أفراد جهاز الأمن العام، والرقيّ في التواصل مع الأهالي، على عكس أسلوب عناصر فروع أمن النظام البائد القائم على إذلال المواطنين ومعاملتهم بفوقية وعنصرية وتمييز، وإجبارهم على دفع إتاوات مالية بشكل دوري، وعرقلة سير معاملاتهم اليومية لتحصيل رشاوى مالية، وليرات ذهبية في بعض الأحيان، أو أدوات منزلية وأجهزة إلكترونية.

التزامات ثورية ووطنية

يقع على عاتق جهاز الأمن العام في الوقت الراهن العديد من المسؤوليات، أبرزها بسط الأمن والاستقرار، والحد من الفوضى التي خلفها النظام البائد بشكل تدريجي، إلى أن تصبح سوريا كدول قطر والإمارات وأندورا واليابان من حيث معدلات الجريمة المتدنية للغاية، وهذا التزام ثوري يقع على عاتق الجهاز، على اعتبار أنّ بناء دولة عانت من الحرب لأربعة عشر عاماً لا يمكن أن يتم ما لم يكن الملف الأمني مستقراً إلى أعلى مستوى.
ويشير انضباط عناصر الجهاز الأمني وندرة التجاوزات وتحديد صلاحيات أفراده بمهام معينة وبسقف واضح، إلى التزامه التام بمبدأ الوطنية، ويشهد على ذلك أحداث الساحل بداية مارس/آذار الجاري، فبعد التحرك العسكري لفلول النظام البائد ودخول الجيش السوري إلى المنطقة، مدعوماً بمؤازرات من فصائل ثورية، تعالت الدعوات للتعاون مع جهاز الأمن بصفته الضامن الوحيد للمدنيين في المنطقة من أي انتهاك.
وتستقر الراحة تدريجياً في قلوب كل السوريين تجاه جهاز الأمن العام عندما تتضح تبعيته لوزارة الداخلية في الحكومة السورية، ويتبيّن أنّ مرجعيته الوحيدة هي الدستور والأنظمة والقوانين النافذة، والمحددة من قبل السلطات التشريعية، ولكونه لا يتمتع بالاستقلالية التي منحها النظام البائد لأجهزته الأمنية.
ختاماً، يستحق المواطن السوري أن يكون لديه جهازٌ أمنيّ يحميه لا يهدده، جهاز يصون الحقوق ويحفظها ولا يمّس بأمنها سواء كانت لأفراد أو جماعات أو شركات وحتى الاستثمارات الخارجية التي قد تبدأ أنشطتها في سوريا عما قريب والتي تراقب الحالة الأمنية عن كثب لضمان حقوقها المحددة بالقانون السوري، كما يستحق المواطن السوري أن يدخل إلى أي مبنى أمني أو شرطي أو استخباراتي دون أن يكتب وصيته، يدخل إليه وهو يعلم أنه لن يُُهان ولن يمسّه السوء ما لم يكن قد أساء لأمن الغير، يستحق هذا الشعب العظيم أن يجني ثمار ثورته كما يليق به.

آخر الأخبار
الخارجية ترحب بمبادرة قطر: خطوة حاسمة لتلبية الاحتياجات الملحة للطاقة في سوريا الدكتور الشرع: تفعيل اختصاصات الصحة العامة والنظم الصحية للارتقاء بالقطاع وصول الغاز الطبيعي إلى محطة دير علي.. الوزير شقروق: المبادرة القطرية ستزيد ساعات التغذية الكهربائية مرحلة جديدة تقوم على القانون والمؤسسات.. الشرع يوقِّع مسودة الإعلان الدستوري ويشكل مجلساً للأمن القو... الرئيس الشرع يوقِّع مسودة الإعلان الدستوري تاريخ جديد لسوريا وفاتحة خير للشعب غياب ضوابط الأسعار بدرعا.. وتشكيلة سلعية كبيرة تقابل بضعف القدرة الشرائية ما بعد الاتفاق.. إعادة لهيكلة الاقتصاد نقطة تحول.. شرق الفرات قد يغير الاقتصاد السوري نجاح اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية.. ماذا يعني اقتصادياً؟ موائد السوريين في أيام (المرق) "حرستا الخير".. مطبخ موحد وفرق تطوعية لتوزيع وجبات الإفطار انتهاء العملية العسكرية في الساحل ضد فلول النظام البائد..  ووزارة الدفاع تعلن خططها المستقبلية AP News : دول الجوار السوري تدعو إلى رفع العقوبات والمصالحة فيدان: محاولات لإخراج السياسة السورية عن مسارها عبر استفزاز متعمد  دول جوار سوريا تجتمع في عمان.. ما أهم الملفات الحاضرة؟ "مؤثر التطوعي".. 100 وجبة إفطار يومياً في قطنا الرئيس الشرع: لن يبقى سلاح منفلت والدولة ضامنة للسلم الأهلي الشيباني يؤكد بدء التخطيط للتخلص من بقايا "الكيميائي": تحقيق العدالة للضحايا هدوء حذر وعودة تدريجية لأسواق الصنمين The NewArab: الشرع يطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للانسحاب من جنوب سوريا