افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير نور الدين الإسماعيل
خلال السنوات الماضية من عمر الثورة السورية خلق النظام البائد شرخاً بين السوريين؛ عززته ممارساته ضد من انتفضوا في وجهه طوال 14 عاماً، فانقسم السوريون بين معارض للنظام ومؤيد داعم له ولروايته، وتبادلوا الكراهية والبغضاء والاتهامات والشماتة بالمآسي والدماء.
وإمعاناً منه في تعزيز ذلك الانقسام، فرضت مؤسساته الأمنية خطاباً موحداً على وسائل الإعلام التي يسيطر عليها؛ يعتمد على ترويج الأكاذيب وتلفيق الاتهامات لكل من يعارضه، ما زرع حالةً من السخط والحنق لدى المعارضين في رد فعل على عدم مناصرتهم، وفي كثير من الأحيان استعدائهم واتهامهم بخيانة الوطن.
وباتت الأحكام المسبقة سيدة الموقف لدى السوريين، فذلك “مسلح”، وهذا “إرهابي”، وذاك “مؤيّد”، وغيره “شبّيح”، فزاد الانقسام وابتعد السوريون عن بعضهم أكثر.
تلك الحالة أعجبت نظام الأسد البائد حتى أمست ضماناً لاستمرار وجوده، بينما يتبادل السوريون الاتهامات والأوصاف، ويتراشقون على وسائل التواصل الاجتماعي أقبح الألفاظ، وغدا الانتماء المناطقي هويةً لهم بدلاً من الهوية الوطنية الجامعة، حتى باتت الكراهية المتبادلة عنواناً لعلاقتهم ببعضهم.
مجازر كثيرة ارتكبتها قواته ضد السوريين كان يكذّبها وينفيها على الرغم من توثيقها بعدسات الكاميرات، جعلت قسماً منهم يطالب الآخرين على الضفة الثانية بموقف أخلاقي، في حين كان الآخرون بين صامت خوفاً على حياته من بطش النظام في حال أبدى أي تعاطف، وغيرهم ممن صدّقوا روايته في أن كل ما يجري هو مفبرك وغير صحيح ويندرج ضمن “المؤامرة الكونية” على سوريا، فتباعد السوريون أكثر حتى تحولوا إلى “أعداء”.
لاحقاً، بدأ وجه نظام الأسد الحقيقي ينكشف للجميع حتى الذين دافعوا عنه في لحظة ما، وباتت سياسة التضييق والقمع والفساد تغرقه في رمال الضعف على طريق السقوط أكثر فأكثر، وبدأ يفقد حتى حاضنته المقربة من أقرب داعميه.
ومع بداية معركة التحرير، ودخول قوات “ردع العدوان” إلى المنطقة تلو الأخرى حتى تحرير سوريا؛ كانت فرحة السوريين في مناطق سيطرة نظام الأسد ممزوجةً بتخوفات كثيرة بشأن مستقبل مجهول ينتظرهم، توضحت ملامحه لاحقاً؛ حيث كان العنوان الأبرز له “التسامح” وترميم علاقات الأخوّة بين أبناء الوطن الواحد، ليلتقي الإخوة مجدداً، وليتعرف السوريون إلى بعضهم وليكتشفوا أن ما يجمعهم أكثر بكثير مما كان يفرقهم.
تلك الحالة الصحية السليمة لم ترُقْ لجهات تعيش على الخلاف والشقاق وإضعاف بنية المجتمع السوري، وعلى رأسها المجرمون من قادة وعناصر نظام الأسد المخلوع وداعميهم، فبدؤوا باختلاق الفتن لإعادة الخلافات بين الأشقاء إلى ما كانت عليه أيام سيطرة نظام الأسد البائد، إلا أنها أخمدت قبل أن تحقق أهدافها، وأيقن معظم السوريين أنه لا حياة في هذه البلاد إلا بالتشاركية لا بالتبعية، وأن الجميع أصحاب حق فيها، ولا يمكن إلغاء فئة على حساب أخرى، وأن الطائفة التي تجمعنا جميعاً هي سوريا الوطن.