الثورة – فؤاد مسعد:
أُعلِن مؤخراً عن وفاة المخرج الفرنسي المخضرم “إيف بواسييه” عن عمر 86 عاماً، والذي يحفل تاريخه السينمائي بالكثير من الأفلام الهامة، ويعتبر واحداً من أهم المخرجين الفرنسيين، ركز في أفلامه على الموضوعات السياسية والقضايا الاجتماعية، وبقي وفياً لخطه الملتزم في الإخراج، ومن أفلامه نذكر: “النهر الأحمر، القبيلة، هوية مزدوجة، الجائزة الخطيرة، انهض أيها الجاسوس، الجندي الصغير، المفتاح بالباب”.
سبق لـ “إيف بواسييه” زيارة دمشق عام 2008 حين تولى رئاسة لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة في مهرجان دمشق السينمائي الدولي السادس عشر، وحينها أجريت معه حواراً مطولاً، مما جاء فيه تأكيده أنّ مهرجان دمشق السينمائي “نابض بالحياة”.
وحول الأفلام التي يُفضل إنجازها، قال: “أفضّل الحديث عن حياة الناس في الأفلام ليكون لها مغزى اجتماعي أو سياسي”.
وفيما يتعلق بالفجوة بين الشرق والغرب على صعيد الإنتاج والتقنية، يقول: “التقنية عبارة عن وسيلة، ولم تكن أبداً هي الفيلم، فالأهم في صناعة السينما هو الإنسان والحالة الإنسانية، فيمكنك أن تنجز فيلماً دون مال وبكاميرا قديمة جداً، ولكن ينبغي أن يكون لديك قصة مؤثرة، وعندها يمكنك تحريك العالم كله، فالمال لا يصنع فيلماً جيداً”.
كما نبّه من مشكلة تعاني منها الأفلام العربية، وهي عملية تقليد واستنساخ الأفلام الغربية، لأنها بذلك تبتعد عن خصوصية مجتمعاتها، يقول: “إن كان الفيلم مُغرق في المحلية ولم يحاول تقليد أفلام العصابات الأمريكية عندها يكون جيداً، فعلى سبيل المثال رعاة البقر أفلامهم جميلة في الغرب ولكن لا تحاولوا تقليدها في الأفلام العربية”، مشيراً إلى الإغراق في المحلية” يحقق نسبة إمتاع أكبر للفيلم.وحول الخط الفاصل بين الجانبين الفلكلوري والواقعي لدى الغوص في المحلية، أجاب: “لا أفضل الفلكلور من أجل الفلكلور، ولكن المهم أن يكون الأشخاص الذين سيظهرون في الفيلم حقيقيون وموجودون في الحياة العادية، فعندنا في فرنسا الأفلام الأكثر إغراقاً في المحلية هي الأكثر نجاحاً، وبرأي أن الأفلام الفرنسية الأكثر إمتاعاً ليست تلك التي تقلد الأفلام الأمريكية، فحتى في فرنسا هناك من يُقلد، والأفلام التي قُدمت وكانت تشبه السينما الأمريكية فشلت”.
استذكار الحوار مع مخرج عالمي كبير مرَّ بدمشق يوماً، بمثابة استذكار أن سوريا من أولى البلدان العربية التي كان فيها سينما، منذ الأفلام الوثائقية التي صورت أيام الانتداب الفرنسي، وأول فيلم روائي “المتهم البريء” عام 1928، مررواً بكل الحراك السينمائي الذي نتفق مع بعضه وربما لا نتفق مع بعضه الآخر، رغم تراجعه إلى أدنى حدوده في السنوات الأخيرة.
ويبقى الأمل كبيراً أن تكون دمشق قبلة للسينمائيين العرب والأجانب، وأن تُضاء فيها الصالات من جديد، مع التأكيد أن من مر بها ليس “إيف بواسييه” وحده، وإنما الكثير الكثير، بمن فيهم شارلي شابلن عام 1932.