الثورة – رنا بدري سلوم:
الفتنةُ حقيقةٌ مغلّفة بسوء الظّنون، تُشعل نفسها وتحرق من حولها، فلا تفرق بين صراع أو نزاع، الفتنة في أدب التاريخ حققت اضطراباً وصنعت تغييراً، وآثارها الجمّة كانت ولا تزال على المدى الطويل، فأريقت بسببها الدماء وتشوّهت من أجلها الحقائق واسودت على خلفيّتها وجوه بأفعال أولئك المنافقين.. فتصدّرت على جراحها سياسة المتغطرسين. هكذا هي الفتنة التي نمرّبها اليوم، هي ذاتها عند كُليب في العصرالجاهلي حين أصاب ضرع ناقة امرأة يقال لها البسوس بسهم، فاندلعت على إثرها حرب ضروس، دامت بما يقارب الأربعين عاماً.
الفتنة التي تعمي العيون على تقبّل الآخر فتتورّم الأنا «أنا والله أعزّ العرب، فمن زعم أنه أعزّ منّي فليضرب هذه بالسيف»، فيستجيب لاستفزازه أحد من قبيلة منافسة لذاك الرجل، فيضرب رجله فتقع معركة، بسبب رِجل ممدّدة وأناً متورّمة.! لم تترك الدراسات التاريخيّة هذه الفتن إلا وأرختّها في كلّ العصور بدءاً من العصر الجاهلي مروراً بالدعوة الإسلاميّة، وصولاً إلى الحروب ومن ينسى الحرب العالميّة الأولى في أوروبا التي لم تسلم من شرارتها، وقد أشعلها طالبٌ جامعيّ صِربيّ، قام باغتيال ولي عهد النمسا وزوجته أثناء زيارتهما لسراييفو 1914م، وانتهت بصراع عنيف لأربع سنوات شاركت فيه أكثرمن سبعين دولة، وراح ضحيّتها اثنا وعشرون مليون إنساناً، فانظر ماذا فعلت بك الفتن أيها الإنسان..!.
وحدها الحروب، تنجذب إلى مصطلحات الفتنة ونزاعاتها الطائفيّة، التي تفرّق الأخ عن أخيه، بغض النّظر عن دينه ومعتقده. أفلا تذكرون تلك الدول التي دفعت ثمن فتن العالم الذي هدفه التمدد والاستيطان؟.
ألم تُدخل مجموعة إرهابية متطرّفة العالم في نفق بأحداث سبتمبر، أدّت بحجتها إلى احتلال أفغانستان ثم العراق؟!.
لعلنا اليوم أكثروعياً ويقيناً لتلك الفتن التي تحجّر القلوب وتفتح شلالات الدماء وتهدد البنيان المرصوص بكلمة منا وإشارة وتلميح وتوضيح، وهنا يأتي أهمية دورقادة الرأي والمثقّفين في ردع تلك الفتن ووأد مشروعها وبترأصابعها وإقصاء أبجديّتها وتحجيمها، بألا نُشعل فتيلها كي لا تهب وتحرقنا بما يتربّص بنا العدواللعين، ومع ذلك ورغم كلّ ما نمرّ به منها لن نكرهها.. لأنها وكما قيل عنها :”لا تكرهوا الفتن، فإنّ فيها حصاد المنافقين.. فما أحوجنا لذاك الحصاد..!