الثورة – حسين صقر:
يعتبر الخلط بين الاعتياد والإدمان خطأً شائعاً، لكن الفرق بينهما كبير ومهم من الناحية السلوكية والعلاجية.
وعدم الاعتياد خير العادات، يقول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط: كلما زادت العادات عند الإنسان، أصبح أقل حرية، وبالتالي عدم الاعتياد هو انعتاق وانطلاق، وكثير من الأشخاص اعتادوا أناساً بحياتهم، وعندما حكمت الظروف بالابتعاد، ساء حالهم وتغيرت أحوالهم وانعكس ذلك على صحتهم وأدائهم وعلاقاتهم.
ولاستطلاع الآراء حول الفرق بين الاعتياد والإدمان، التقت صحيفة الثورة عدداً من الأشخاص الذين أكدوا أن الاعتياد هو سلوك روتيني ومنتظم يصعب التخلي عنه، مثل العادات الصباحية.
قد تكون هذه العادات إيجابية مثل الاستحمام أو تنظيف الأسنان، أو قد ترتبط بطقوس معينة مثل الاستماع إلى الأغاني صباحاً أو شرب القهوة، وقد تكون سلبية كالتدخين، والحديث بصوت عالٍ والتدخل في شؤون الآخرين والفضول.
وقالت سناء عطا لله- ربة منزل: ثمة من نلتقيهم في حياتنا، في العمل والسكن، وقد اعتادوا على أمور في ظاهرها خاصة، لكن في حقيقتها تتسبب بإزعاج الآخرين، موضحة أنه كلما كانت العادات أكثر تكراراً أصبح من الصعب التخلي عنها واستبدالها بعاداتٍ أخرى إذا كان ذلك ضرورياً.
التدريب المستمر
من ناحيته ذكر أحمد علوني- موظف: إنه لكسر العادات يجب التدريب المستمر، ويفضل البدء بذلك منذ الملاحظة الأولى لذلك، وقد يتحقق ذلك مع الأطفال، الذين نستطيع تعليمهم على عادات إيجابية مثل ممارسة الرياضة أو اتباع نمط حياة صحي، وأوضح أما الإدمان فهو أصعب بكثير، فالمدمن لا يتمكن من التوقف عن ممارسة هذا السلوك رغم معرفته بالأضرار الناتجة عنه، فمثلاً يلجأ مدمن المخدرات لتعاطي مواد ضارة رغم معرفته بضررها، وذلك لأنها تحفز لديه شعوراً بالسعادة أو ما يسمى بالنشوة، وهكذا و بالتدريج يصبح تأثير هذه المواد أضعف.
وأردف: إن العادة سلوك روتيني منتظم لا يمكن التخلي عنه بسهولة، ويزيد التعلق به كلما استمر، ولكن بالنتيجة يمكن التخلص منه، أما الإدمان فيكون تكرار سلوك معين دون وعي كامل من الشخص، كما يشعر بقدر كبير من الانزعاج إذا لم ينفذ هذا السلوك.
وأوضح المهندس سامي تلاوي، أن العادة والإدمان هما مفهومان يبدوان مشابهين في البداية، إلا أن هناك فرقاً كبيراً بينهما في تأثيرهما على حياة الفرد وسلوكه، بينما قد تكون العادة سلوكاً متكرراً، يمكن أن يكون مفيداً أو محايداً، بينما الإدمان هو حالة تتسم بالاعتماد الشديد على شيء ما إلى درجة أنه يضر بالصحة النفسية أو الجسدية.
التأثير الاجتماعي والنفسي
وللحديث أكثر عن مفهومي العادة والإدمان، أكدت الاختصاصية النفسية والسلوكية ميرفت قصاص، أنه من منظور علم النفس وعلم الأعصاب، أن العادة والإدمان يختلفان من حيث آلية التأثير على الدماغ والجسم، حيث العادة سلوك متكرر يمكن أن يكون مدفوعاً بالحوافز الاجتماعية أو الثقافية أو الشخصية، بينما الإدمان، هو اضطراب يؤدي إلى تغيرات في الدماغ، ما يجعل الشخص يشعر بحاجة ملحة وغير قابلة للتحكم تجاه سلوك معين أو مادة معينة، حتى وإن كانت هذه العادة ضارة.
وأشارت قصاص عندما نقوم بشيء بشكل متكرر، مثل شرب كوب من القهوة في الصباح أو الذهاب للمشي، فإن هذه الأنشطة تُسجل في الدماغ كجزء من الروتين، حيث الدماغ يعتمد على الدوائر العصبية المعتادة التي تخلق السلوكيات الروتينية، وهذه السلوكيات يمكن أن تكون مرغوبة ومفيدة، ولا تسبب أي ضرر طالما أن الشخص يمتلك القدرة على التحكم في ممارستها، أما في حالة الإدمان، فيحدث تغير في وظائف الدماغ بشكل أكثر وضوحاً، فالمواد أو الأنشطة التي تصبح مدمناً عليها تحفز مراكز المكافأة في الدماغ بشكل مبالغ فيه يؤدي هذا إلى “حلقة مفرغة”، إذ يشعر الشخص بالحاجة المستمرة لاستهلاك المادة أو ممارسة السلوك للحصول على الشعور نفسه بالراحة أو السعادة، وهو ما يؤدي إلى ضعف التحكم الذاتي.
لكن على المدى الطويل، يمكن أن تتغير بنية الدماغ بشكل يجعله أقل قدرة على مقاومة الإغراءات، وهذا هو السبب في أن الإدمان يمكن أن يؤدي إلى آثار مدمرة على الصحة النفسية والجسدية.
وقالت: من منظور الصحة النفسية، العادة لا تؤدي بالضرورة إلى اضطرابات في العلاقات الاجتماعية أو الحياة الشخصية، بينما الإدمان غالباً ما يكون له تأثير عميق على الحياة الاجتماعية والمهنية، وأن الأشخاص الذين يعانون من الإدمان قد يشعرون بالعزلة أو العجز، وقد يتعرضون لفقدان الوظائف أو العلاقات بسبب سلوكهم المدمن.
العلاج
وعن علاج الإدمان قالت: غالباً ما يتطلب تدخلاً موجهاً مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) أو العلاج الدوائي، وهؤلاء الأشخاص يحتاجون إلى دعم متخصص من أطباء النفس أو مستشارين متخصصين في الإدمان لمساعدتهم في التغلب على الحالة.