الثورة – ناديا سعود:
يحاول القطاع الصحي الصمود وتقديم الخدمات للمواطنين ضمن الإمكانيات المتاحة، على الرغم من الأزمات المتلاحقة التي تعاني منها بلادنا، وتشكل المراكز الصحية المنتشرة في مختلف المحافظات العمود الفقري للرعاية الأولية، إلا أن تقييم المواطنين لها يكشف عن واقع معقد يتراوح بين الامتنان للخدمة المجانية، والشكوى من نقص الموارد، وسوء التنظيم.
فالعديد من المراكز الصحية يعاني من عدم توافر تجهيزات العيادات السنية والمخابر والأدوية المزمنة، كأدوية الضغط والسكر والقلب، ما يضطر المرضى إلى البحث عن بدائل مكلفة في العيادات الخاصة، كما أن الضغط الكبير على الكوادر الطبية المتاحة يؤدي إلى إجهادهم وانخفاض قدرتهم على تقديم خدمات صحية فعالة.
وفي استطلاع للرأي أجريناه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لعدد من المواطنين عن حاجتهم لاتخاذ الجهات المعنية إجراءات عاجلة لحل هذه المشكلات، سواء من خلال توفير الدعم اللازم للمراكز الصحية، أم تحسين إدارة الموارد الطبية لضمان وصول الخدمات إلى أكبر عدد ممكن من المرضى.
49 مركزاً يقدم خدمات فعلية
مدير صحة القنيطرة الدكتور محمد الأحمد في تصريح خاص لصحيفة “الثورة” أكد أن عدد المراكز الصحية العاملة حالياً ضمن مديرية صحة القنيطرة يبلغ 54 مركزاً، موزعة على عدد من المناطق بواقع 14 مركزاً في منطقة القنيطرة، 10 مراكز في منطقة السويسة، 11 مركزاً في منطقة دمشق، 6 مراكز في منطقة درعا، و13 مركزاً في منطقة الذيابية.
وأشار الأحمد إلى أن 49 مركزاً فقط يعمل فعلياً، فيما تخرج 5 مراكز عن الخدمة لأسباب مختلفة، مؤكداً أن العمل جارٍ لإعادة تأهيلها.
وأوضح أن الخدمات الأساسية المقدمة في هذه المراكز تشمل الرعاية الصحية الأولية مثل خدمات اللقاح، الصحة الإنجابية، التغذية، الإسعاف، الضماد، ومتابعة الأمراض المزمنة، إضافة إلى خدمات أخرى حسب توفر الكادر، كالعيادة السنية، والمخبر، والصحة النفسية.
وفي إطار تحسين مستوى الخدمات، أشار الأحمد إلى تجهيز 5 مراكز صحية نموذجية تحتوي على عيادة عامة، وعيادة أطفال، وعيادة نسائية، إضافة إلى عيادة أسنان ومخبر، لتكون نواة لمراكز متكاملة في تقديم الرعاية الصحية.
كما تم تفعيل 4 مراكز مضيئة تقدم خدماتها للمواطنين يومياً من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساءً، بهدف تخفيف الضغط عن باقي المراكز وتوسيع شريحة المستفيدين.
توافر اللقاحات ونقص في الأدوية
وأكد الدكتور الأحمد أن اللقاحات متوافرة دون انقطاع، فيما تعاني المراكز من نقص واضح في الأدوية، نتيجة عدم توافر التوريدات من وزارة الصحة ضمن نظام الاستجرار الموحد.
وأضاف: إن المديرية تبذل جهدها لتجاوز النقص عبر إعادة توزيع الكوادر وتأمين الاحتياجات ضمن المتاح، ريثما يتم توفيرها بشكل كامل من الوزارة.
وأشار مدير الصحة إلى أن أبرز التحديات التي تواجه القطاع الصحي في القنيطرة هي نقص الكوادر الصحية، وخاصة في المراكز الواقعة ضمن المحافظة، نتيجة سفر أو استقالة العديد من الكوادر التمريضية، لافتاً إلى أن معظم المراكز تم إعادة تأهيلها، باستثناء 7 مراكز لا تزال بحاجة لصيانة، وهناك سعي دائم لتحسين بيئة العمل ضمن الإمكانات المتاحة.
تعاون مع المنظمات
وكشف د. الأحمد عن تعاون قائم مع عدد من المنظمات، على رأسها منظمة “السامري الصالح”، التي تقدم خدمات عيادة متنقلة في بعض المناطق، ما يسهم في الوصول إلى المناطق الأبعد والأكثر حاجة.
وعن الخطط المستقبلية، أوضح أن التوجه الحالي لا يشمل توسيع شبكة المراكز، بل تحسين جودة الخدمات في المراكز القائمة، بناءً على البيانات والإحصائيات المتعلقة بعدد السكان المستهدفين وعدد المراجعين.
وأشار إلى أن عدد مراجعي المراكز يعكس ثقة المواطن بالخدمات المقدمة، مبيناً أن أبواب الشكوى مفتوحة عبر التواصل المباشر مع رؤساء المناطق الصحية أو مدير الصحة.
وتنفذ المراكز الصحية العديد من حملات التوعية، منها التوعية بأهمية اللقاح، أضرار التدخين، خدمات تنظيم الأسرة، رعاية الحوامل، إضافة إلى حملات الكشف المبكر عن سرطان الثدي، وندوات للدعم النفسي، خاصة للمراهقين، في ظل تزايد الحاجة لهذا النوع من الدعم في المجتمع.
ولفت د. الأحمد إلى إن المديرية تعتمد خطط طوارئ مستمرة، يتم من خلالها تأهيل العاملين بشكل دوري، لضمان الجاهزية في مواجهة أي حالة صحية طارئة قد تطرأ في المحافظة أو المناطق المجاور.
دمار المراكز وهجرة الكوادر
رئيس منطقة دمشق الصحية في مديرية صحة القنيطرة الدكتور بسام حمدان، أوضح أن الواقع الصحي في سوريا مرّ بتحديات كبيرة نتيجة الحرب، والتي ألقت بظلالها الثقيلة على البنية التحتية الصحية، وأدت إلى دمار واسع في المراكز الصحية، وهجرة الكوادر الطبية، فضلاً عن نقص حاد في الموارد، وتراجع ملحوظ في جودة الخدمات المقدمة،
ما انعكس سلباً على صحة ورفاه السكان في ظل النظام البائد.
وأشار الدكتور حمدان إلى أن الحرب أدت إلى تدمير عدد كبير من المراكز الصحية، ما تسبب في نزوح الكوادر الطبية إلى أماكن بعيدة عن مواقع عملهم، بالتزامن مع تدهور خدمات المياه والصرف الصحي، وغياب البنية التحتية المناسبة لتقديم الرعاية الصحية الأولية.
ورغم هذه الظروف، تُواصل الكوادر القليلة المتبقية تقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية في المراكز العاملة، والتي تشمل: رعاية الطفل السليم، اللقاحات، التغذية، الصحة الإيجابية، الإسعاف، عيادات الأسنان، المخبر، الرعاية العامة، رعاية المسنين، رعاية المراهقين، العيادة النفسية، وعيادة “رأب الفجوة” التابعة للصحة النفسية.
وأكد أن القطاع الصحي يعاني من تحديات إضافية مرتبطة بارتفاع أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، والتي كانت أحد الأسباب الرئيسة في تراجع جودة الخدمات وخروج العديد من المراكز الصحية عن الخدمة.
وأضاف: “نسعى باستمرار لتأمين الأدوية والمستلزمات من خلال وزارة الصحة والمنظمات الدولية، وهناك تنسيق دائم بين دائرة الخدمات الطبية ومديرية الصحة والوزارة، إضافة إلى مبادرات مجتمعية ومنظمات دولية تزور المراكز الصحية لتقديم خدمات الرعاية الأولية.
ترميم وتحديث المراكز الصحية
وبيّن رئيس المنطقة الصحية أن هناك خطة متكاملة لإعادة ترميم البنى التحتية للمراكز الصحية، ورفدها بالكوادر المؤهلة، وتحسين جودة الخدمات فيها، مع التركيز على تدريب الكوادر الطبية بالتعاون مع منظمات دولية، وتحديث الأجهزة الطبية، ولاسيما في عيادات المخبر، وتأمين الأدوية المخبرية باستمرار. ولفت إلى أن الهدف من التوسع في تقديم الخدمات الصحية على مستوى المراكز هو التخفيف من الضغط عن المستشفيات العامة، وجعل المراكز الصحية بديلاً فعالاً لتلقي العلاج.
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع أسعار الدواء أشار الدكتور حمدان إلى وجود أعداد كبيرة من المرضى المزمنين والمسنين المسجلين في المراكز الصحية، حيث يتم تزويدهم بالأدوية بشكل منتظم عبر ملفات صحية منظمة وبطاقات خاصة للمراجعة.
كما أكد أن المستودعات الصحية تحتوي على احتياط استراتيجي يزيد عن 40 بالمئة من الأدوية، ويتم رفدها بشكل دوري من وزارة الصحة والمنظمات الدولية، مع توزيع عادل حسب احتياجات كل مركز.
وأوضح د. حمدان أن هناك برنامج دعم نفسي فعال يُنفذ عبر كادر طبي مدرب من أطباء وممرضين، ضمن برنامج “رأب الفجوة”، ويستهدف حالات الاكتئاب، الذهانات، الاضطرابات السلوكية، الصرع وثنائي القطب، ويُقدم تقارير شهرية حول عدد المراجعين، إلى جانب أنشطة التثقيف الصحي في مجال الصحة النفسية، التي تنفذها المراكز الصحية بالتعاون مع الجهات المنظمة.
مراكز مضيئة
وفي خطوة لتعزيز البنية الصحية، تم العمل على إنشاء مراكز صحية نموذجية تضم جميع العيادات (العامة، النسائية، الأطفال، الأسنان، المخبر) ومجهزة بجميع المستلزمات الطبية والأدوية اللازمة، حيث يوجد في هذه المراكز أطباء اختصاصيون في كل مجال، ما يضمن تقديم خدمات شاملة للمراجعين.
أما المراكز المضيئة، فهي مبادرة جديدة انطلقت في 1/6/2025، وتعمل على مدار 24 ساعة لتقديم خدمات الرعاية الصحية دون انقطاع، مع وجود أطباء وكوادر صحية مستعدة للاستجابة في أي وقت، بعد تأمين كل احتياجات هذه المراكز من كهرباء ومياه وأدوية وأجهزة.
وختم الدكتور حمدان حديثه بالتأكيد على أن العمل مستمر لتأمين بيئة صحية ملائمة للمواطنين، مشيداً بالدعم الحكومي والدولي، ومبادرات المجتمع المحلي، مؤكداً أن وزارة الصحة تواصل المتابعة الحثيثة لضمان استمرارية الخدمات في ظل التحديات القائمة.