الثورة – سمر حمامة:
يحلّ عيد الأضحى هذا العام على السوريين وهم يرزحون تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة، إذ تراجعت القدرة الشرائية لغالبية المواطنين إلى مستويات غير مسبوقة، ورغم ما يحمله العيد من طقوس دينية واجتماعية، إلا أن الظروف المعيشية الصعبة طغت على مشاعر الفرح، وجعلت كثيرين يطرصحون تساؤلات مؤلمة: هل ما زال العيد كما عهدناه؟ وهل يمكن الاحتفال به في ظل غلاء الأسعار وغياب القدرة على شراء مستلزماته؟ في جولة على بعض أحياء دمشق وريفها، تحدثنا إلى عدد من المواطنين حول استعداداتهم للعيد، فكان الشعور المشترك هو “الضيق والحنين”.
أم علاء- ربة منزل، قالت: كنا نشتري لأولادنا ثياباً جديدة، ونجهز كعك العيد ببهجة، الآن بالكاد نؤمن طعام اليوم، ملابس العيد أصبحت حلماً، والحلويات نادرة في بيوتنا، أما أبو خالد- موظف حكومي فأشار إلى أن راتبه لا يكفي لأكثر من ثلاثة أيام، لا أستطيع شراء لحم الأضحية، ولا حتى كعك العيد، نحاول أن نُسعد الأطفال بما تيسّر، ربما بحبة شوكولا أو زيارة للأقارب.
رهف- طالبة جامعية قالت بحزن: أصبحت أحزن لقدوم العيد لا لشيء، بل لأننا نشعر فيه بالفقر أكثر، نرى صور الأعياد على الإنترنت ونقارنها بواقعنا، فنحزن.
لعل ارتفاع الأسعار طال جميع مستلزمات العيد، من الملابس والحلويات حتى الأضاحي، إذ تجاوز سعر كيلو اللحم سقفاً غير معقولاً، في حين تضاعفت أسعار الألبسة والحلويات خمس مرات خلال السنوات الأخيرة.
تقول أميرة- صاحبة محل ملابس أطفال:
كثير من الأهالي يأتون للمشاهدة فقط، يسألون عن الأسعار، ثم يرحلون بصمت، نحن أيضاً نشعر بالحزن، فلا أحد يحب أن يرى طفلاً في العيد بلا ثياب جديدة. يعكس روح التكيف في ظل هذا الوضع، بدأ بعض الأهالي بابتكار بدائل بسيطة، صناعة الحلويات المنزلية بمواد متوفرة كالدقيق والسكر فقط، وتبادل الثياب بين الأقارب، خصوصاً للأطفال، شراء الثياب المستعملة أو من الأسواق الشعبية، تقديم العيدية الرمزية بدلاً من الهدايا المادية.
المرشدة الاجتماعية دارين السليمان بينت أن الطقوس الدينية والاجتماعية للعيد تتعرض لضغط كبير بسبب الأوضاع الاقتصادية، فالإنسان بطبيعته يحتاج إلى الفرح، ولكن حين تصبح متطلباته فوق طاقته، تتحول المناسبات السعيدة إلى مصدر ضغط نفسي، وخاصة على الأمهات والآباء.
ولفتت إلى أن ما نراه من محاولات لابتكار بدائل هو أمر إيجابي، ويعكس روح التكيّف، ولكن لا يمكن إغفال أن الأعياد يجب أن تكون مناسبة للحب والتضامن، لا لتجديد الجراح.
لم يعد السؤال مجرد بيت شعر شهير، بل تحوّل إلى لسان حال ملايين السوريين، فرغم الإيمان العميق بقيمة العيد وقداسته، إلا أن غيوم الغلاء والضيق غطّت شمسه هذا العام، ومع ذلك، تبقى الفرحة ممكنة حين تُزرع في القلوب قبل البيوت، وحين تُشارك بالأمل والبسمة ولو كانت من خلف الحواجز.
يعود العيد، وربما ليس في أفضل حال، لكنه يعود محمّلاً برجاء أن الغد أفضل، وأن الفرح لا يُقاس بما نملك، بل بمن نُحب وبما نبذل من مشاعر صادقة.