الثورة – بتول أحمد:
في قلب الدمار الذي خلفته سنوات الحرب على مدى أربعة عشر عاماً، ثم حدوث الزلزال المدمر عام 2023 الذي أودى بحياة الآلاف وشرد الملايين، برزت “ثورة الأيادي الافتراضية”.
التطوع الرقمي في سوريا والذي سمي بالثورة الصامتة بمعنى لم يعد خياراً ترفيهياً، بل تحول إلى شريان حياة، يجسد كيف تحولت الشاشات الصغيرة إلى جسور تنقل المعرفة والعلاج والأمل عبر الحدود الجغرافية والحصار.
دعم القضايا المجتمعية
التطوع الرقمي ومفهوم الإنسانية في عصر التكنولوجيا: تُعرّفه المهندسة كلثوم سعد الله بأنه: “العمل الذي ينجزه المتطوع عن بُعد عبر الإنترنت لدعم القضايا المجتمعية من دون الحاجة إلى التواجد المادي”.
وفي سوريا تطور هذا المفهوم ليكون استجابة طارئة للأزمات المتراكمة مثل المرونة: والتي تعني تجاوز قيود التنقل في مناطق الصراع، والتكلفة الفعّالة: أي استغلال المهارات دون حاجة لبنى تحتية مكلفة، كذلك تجاوز الحدود من خلال مشاركة السوريين في الشتات مع خبراء دوليين.
وأشارت المهندسة كلثوم إلى المجالات الحيوية، من الإنقاذ إلى البناء والتي تعتمد على إدارة الكوارث: الزلزال أنموذجاً، فعندما ضرب الزلزال شمال سوريا (7.8 درجة) في فبراير 2023 تحولت المنصات الرقمية إلى غرف عمليات تستعرض فيها، خرائط الأضرار عبر الأقمار الصناعية، واستخدمت منظمة “510 نظام ADA لتقييم الدمار في ثماني مدن سورية خلال ساعات بدلاً من أسابيع، بمشاركة خمسمئة متطوع رقمي.
فيما تنسيق الإغاثة: لمنصة “كايا” وفرت موارد بالعربية لتوجيه فرق الإنقاذ، بينما ساهمت منصة “نَحْنُ” بتنسيق 1.2 مليون ساعة تطوع .
وذكرت إحصائيات التعليم الرقمي في مواجهة انهيار المدارس، أنه تم تدمير 60 بالمئة من المدارس في بعض المناطق: وبالتالي أخذت المبادرات أشكالاً مختلفة منها، مبادرة “مسارات” التي قدمت تعليماً عن بُعد لأطفال المناطق المحاصرة عبر ٤ مسارات أكاديمية، أما التطوع اللغوي فهناك متطوعون مثل أحمد يوسف وغيره ممن يدرّسون الإنجليزية لأطفال إدلب ما يقارب الساعتين أسبوعياً عبر الإنترنت.
استشارات للناجيات
فيما الصحة النفسية، مهمتها العلاج عبر الشاشات في مجتمع يعاني 53 بالمئة من نسائه من العنف، وقدمت منصة “سلامتك”: دعماً نفسياً طارئاً عبر واتساب لـ 17,172 سورياً بعد الزلزال، وهناك جلسات افتراضية آمنة: للدكتورة فاطمة الزهراء قدمت فيها استشارات للناجيات من العنف في ريف إدلب عبر تطبيقات مشفرة.. أما الاقتصاد التشاركي فكان هدفه إحياء سبل العيش، في اقتصاد تصل بطالته إلى 60 بالمئة.
أما منصة “نَحْنُ”: فقد ربطت رواد الأعمال السوريين بالممولين، وسجلت 51 ألف متطوع قدموا 1,2 مليون ساعة تطوع.
وعلى صعيد التدريب المهني الافتراضي، أقيمت دورات في البرمجة ساهمت في إطلاق مشاريع مثل “أسواق الحرف اليدوية” في حلب.
“نقراتنا تنقذ أرواحاً”
أحمد، مبرمج سوري “طوّر تطبيقاً لتتبع المفقودين بعد الزلزال ليساعد خلال أسبوع، ٢٠٠ عائلة عبر العثور على أحبائهم.. فقد أثبتت نقراتنا أن التكنولوجيا يمكن أن تكون سلاحاً ضد اليأس”.
وتذكر نورا- متطوعة في التعليم، عندما كانت ترى طفلاً في ريف حلب يحل مسألة رياضية بعد تدريبها الافتراضي، نعرف أننا نزرع بذوراً ستُثمر مستقبلاً.
أما التحديات التي واجهت كل هؤلاء المنخرطين بالتطوع الرقمي، فهو الفجوة الرقمية وساحات الحرب، فرغم الإنجازات العديدة تواجه الثورة الرقمية عقبات مختلفة ، كانقطاع الكهرباء والإنترنت: في 60 بالمئة من المناطق المحررة، انعدام الأمن السيبراني، إذ إن 70 بالمئة من المنظمات لا تستخدم بروتوكولات حماية البيانات، الاعتراف المحدود، بغياب تشريعات تُدرج التطوع الرقمي في سياسات إعادة الإعمار. وحول مستقبل التطوع الرقمي نحو نظام متكامل يقترح الخبراء الاختصاصيون حلولاً استراتيجية، إقامة شراكات تقنية بين المنظمات مثل: سلامتك “salamatech” وشركات الاتصالات لتحسين البنية التحتية. وأن يكون هناك تشريعات داعمة بإدراج التطوع الرقمي في سياسات إعادة الإعمار الدولية، كذلك ايجاد منصة موحدة لإنشاء “المنصة السورية للتطوع الرقمي” لتجميع الجهود.
أخيراً لاشك أن التطوع الرقمي في سوريا ليس مجرد بديل تقني، بل هو قصيدة إنسانية تكتبها أيادٍ لا تُرى، ويثبت أن الأمل لا يموت تحت الأنقاض، بل يولد من رحم الابتكار، وكما تقول المتطوعة أوماي أتيك: “عندما تُحدث نقراتك فرقاً في حياة إنسانٍ لم تره فهذا جوهر الإنسانية”.