التطبيل والمدح.. أين تنتهي الحقيقة ويبدأ التزييف؟ الاحتفاء بالأفعال وليس بالأسماء

الثورة – علا محمد:

يبدو أن التصفيق والتصنع أصبحا عرضاً دائماً على مسرح مواقع التواصل، حيث يتشابك الامتنان الحقيقي مع التملق الزائف، وبات من المشروع أن نتساءل: هل نحن نُثني على ما يستحق فعلاً؟ أم إننا نصفق لأوهام لا وجود لها إلا في الخيال العام؟.

التطبيل ليس ظاهرة جديدة، بل هو عادة قديمة ارتدت اليوم ثياب العصر الرقمي، وتجولت بين منابر الإعلام وصفحات “الفيسبوك”، وبات من الصعب أحياناً التفرقة بين الشكر النبيل والتمجيد المجاني، ولمحاولة سبر أغوار هذا المشهد، التقت صحيفة الثورة مجموعة من المواطنين، وكلٌّ أدلى بدلوه في بحر الفرق بين الشكر والمديح، والتطبيل.

المدح من القلب.. أم من باب المصلحة؟

يقول أحمد موصللي، طالب جامعي: “التطبيل هو مدحٌ مبالغ فيه، غالباً يكون بدافع التقرّب من جهة معينة أو لتحقيق منفعة، أما المدح الصادق فهو شعور نابع من التقدير، والشكر يأتي كردّ فعل طبيعي على أمر إيجابي، لكن التطبيل، بصراحة، يزرع الشك في النفوس، لأنه في كثير من الأحيان يُقال دون قناعة”.

فاطمة العلي، ربة منزل تبلغ من العمر 38 عاماً، ترى أن المجاملة السطحية تختلف تماماً عن الشكر النابع من التقدير، وتقول: “عندما يشعر الإنسان بالامتنان الصادق، يُعبّر عنه بالشكر الحقيقي، أما إذا تحول الأمر إلى استعراض لفظي أمام أصحاب النفوذ، فهو لا شك تملق، بل تطبيل لا طائل منه إلا تشويه الحقيقة”.

من ناحيته، يروي يوسف أحمد، تاجر أدوات كهربائية من دمشق، مشاهدات من واقعه قائلاً: “في عهود سابقة، كان التطبيل وسيلة نجاة، لأن السكوت كان مكلفاً، فكان الناس يبالغون في المديح تحت وطأة الخوف، لكن هذا النوع من التطبيل يُفقد المجتمع قدرته على مواجهة الحقيقة، ويظهر الضعف بدلاً من الصدق”، وتعقيباً على حديثه استحضر صديقه من جانبه حادثة سابقة من نوعها جرت منذ فترة عندما قام الأمن العام في مدينة اللاذقية بإزالة لافتة تحتوي عبارات تمجيد للسيد الرئيس أحمد الشرع، علقها أحد الأشخاص على شرفة مكتبه، مبيناً برأيه توجه الدولة المخالف لما كان في النظام السابق، وترى المعلمة ليلى مصطفى أن التطبيل، إذا ما ترسّخ كسلوك عام، يؤدي إلى تآكل الثقة بين الناس، وتقول: “حين يصبح التطبيل عادة مجتمعية، تتراجع قيم الشفافية ويغيب الصدق من العلاقات، كثيرون يربطون التطبيل بالنفاق، ما يجعل الناس في حالة دائمة من الحذر والشك”.

التطبيل، تطبيلان!

توصيف ساخر، لكنه دقيق، قدمه الإعلامي الدكتور احمد طقش حين قال لـ”الثورة”: “التطبيل تطبيلان، فإذا كان المقصود بالتطبيل ذكر فضائل الوطن فأنعم وأكرم به من تطبيل، وإذا كان المقصود بالتطبيل اختراع إيجابيات غير موجودة فهو وهم وضلال”، مبيناً أن التطبيل قبل التحرير كان مرضاً نفسياً يمارسه معظم المشوهين، حيث كانت مجموعة من مستخدمي وسائل التواصل تمجد ليل نهار بالرئيس المخلوع، أما بعد التحرير فقد تنادى الكثير من مستخدمي مواقع التواصل لعدم مدح أي شيء، وهذا غريب جداً ومستنكر.

وبرأيه الشخصي الذي يعرضه ولا يفرضه على حد قوله، يجب التطبيل لكل جميل،أي امتداح ما يستحق المدح بالفعل، وذم ما يستحق الذم بالفعل، فالشكر الحقيقي يصدر من إنسان حقيقي يحفز المشكور على إنجاز المزيد من المنافع، أما التطبيل دون وجه فيصدر من إنسان مزيف، يضخم الأنا عند المطبل له، ويقول طقش: “الشكر الحقيقي عمل ديني يجب وجوباً، أما التطبيل الكاذب مخالف للشرع وللقانون، ويشرح طقش كيف تلتصق تهمة التطبيل بمن يمدح من لا يستحق، فيقول: ” حين يكون المطبل له عديم المزايا، يُتهم الناس بالتطبيل فمثلاً كانوا يصفون الرئيس المخلوع بـ “البطل المغوار”، ويصفون زوجته بـ “سيدة الياسمين” في حين أنها قاهرة المظلومين والمعتقلين، والمعايير الاجتماعية بطبيعتها تلفظ المتملق السمج وتشمئز من الذي يزوّر الحقائق الناصعة من أجل حفنة مال”، ويقدّم مثالاً واضحاً: “إن مدحنا مسؤولاً على إنجاز حقيقي كإنشاء جسر نافع، فهذا مديح مشروع، أما أن نعدّد إنجازاته وهو لم يحرك ساكناً، فهذا تطبيل فجّ، التطبيل في جوهره تضليل، أما المدح الصادق فهو إشادة بما تم فعله فعلاً “.

وحول دور الإعلام، يقول طقش: “على الإعلام السوري الحر أن يكون أداة لنشر القيم الإيجابية، وتكريس الصدق، الإعلام مسؤول عن التمييز بين ما يستحق المدح وما يجب انتقاده، لا أن يصبح بوقاً للتهليل الجماعي” ويتابع: “للأسف، كثير مما يُنشر على مواقع التواصل لا يستحق النشر أصلاً، بل يستحق الحذف والنسيان، علينا أن نمدح الصفات، لا الأشخاص، وأن نحتفي بالأفعال، لا بالأسماء”.

وانطلاقاً من نفسه يمتدح الرئيس أحمد الشرع لبسالته وصفاته المميزة لا لوجهه ولا عينيه على حدّ قوله، كما يعبّر عن إعجابه بأداء وزير الخارجية ما يدفعه لتسليط الضوء على عمله ،ونوه طقش إلى أن المديح المبالغ فيه يغري الممدوح بالكسل، فلماذا ينجز ؟ !.

وهناك سلفاً من سيمدحه إن أنجز وإن نام، ويقول:” الجمهور المتلقي لن يتقبل تكرار الثناءات لشخص لم يفعل شيئاً، فالمبالغة في تعظيم الممدوح الذي لا يستحق التعظيم كفر وطني وعار اجتماعي” وحول ما إذا كان التطبيل وسيلة لتحقيق المصالح، أوضح طقش أنه بشكل تقريبي لا يوجد هدف للتطبيل غير تحقيق المصلحة الشخصية، إما رغبة بالمال من الحاكم المتسلط أو رهبة من تسلطه وجبروته، وحسب رأيه، فإن الذي لا يطبل لعودة كرامته وخروج أهله من السجن والتحسينات في الخدمات والماء والكهرباء والغذاء والدواء والنقل والصحة، مصاب بأسدية في التفكير واعتلال في الضمير ويقول: “طبلوا لبردى الرقراق، طبلوا لقاسيون الشامخ، طبلوا لدولة لم يستطع الموت أن يقتلها” فكلما يشكر الإنسان طبيباً ماهراً نجح باستئصال اللوز الملتهبة لابنته الصغيرة- على سبيل المثال لا الحصر-ومن الطبيعي أن يشكر الزعيم العربي الكبير الذي استأصل الاحتلالات الكثيرة التي كانت تحتل بلادنا.

في النهاية: الشكر الحقيقي لا يحتاج ميكروفوناً ولا جمهوراً، يكفي أن يكون صادقاً، أما التطبيل، فهو مسرحية لا تنتهي، بطلها الأنا، ووقودها التزييف، والفرق بينهما؟.

ليس في عدد الكلمات، بل في صدق النيات،كما قال الدكتور طقش :”تذكروا أن لايشكر الله من لا يشكر الناس ..ولكن رجاء،لاتتطبلوا للنيام وتنسوا من يستحق الثناء حقاً.

آخر الأخبار
مشاريع توأمة وتبادل أكاديمي على طاولة جامعة حلب والقنصلية التركية 330 منشأة سياحية بحلب خارج الخدمة  خطوات لتحفيز الاستثمار وتجاوز التحديات نظام الاستثمار الجديد في المدن الصناعية جاذب للمستثمرين صناعية حسياء تتفقد معامل ملح الطعام "الاتصالات" تنفي الشائعات وتؤكد شفافية تعاملاتها دول الخليج.. بين التمويل والقيادة الاستراتيجية للمنطقة غراندي: عودة أكثر من مليوني لاجئ ونازح سوري منذ كانون الأول الماضي بداية عهد أكاديمي جديد.. الجامعات السورية تدخل التصنيفات العالمية محافظ إدلب يستقبل القائم بأعمال السفارة القطرية وزيارة إلى سراقب تراجع في تركيب منظومات الطاقة الشمسية.. تحسن نسبي بالكهرباء والوضع المعيشي الصعب وراء عدم الإقبال تداولٌ ينشط.. وسيولةٌ تختفي قوشجي لـ «الثورة»:حبس السيولة عقبة كبيرة تواجه مستثمري سوق دمشق رفع كفاءة مصادر المياه الجوفية والسطحية بدرعا حرائق متسارعة في غابات الساحل وريف إدلب.. 60 حريقاً في 48 ساعة التطبيل والمدح.. أين تنتهي الحقيقة ويبدأ التزييف؟ الاحتفاء بالأفعال وليس بالأسماء الفقر يطارد المرضى في سوريا العلاج حلم مكلف والأمل بالحكومة عبوة الأنسولين 100 ألف ليرة ومليون لير... تركيا تفتح المنافذ البرية للقادمين من سوريا بعد تعطل الرحلات الجوية مدير الدواجن لـ"الثورة": الاستثمار في المنشآت ضمن توجهات الاقتصاد الحر لمواجهة صعوبات الحياة.. فتيات : التسويق الإلكتروني فرصة عمل مجدية عودة شركات الاتصالات السورية الأميركية.. باراك وشيا يؤكدان بداية جديدة للاستثمار ورفع العقوبات "وول ستريت جورنال": ترامب وافق على ضرب إيران