الثورة – بسام مهدي
أصدرت وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات السورية أمس السبت، بيانًا يتناول الشائعات المتداولة عبر بعض وسائل الإعلام ومنصات التواصل، حول هجمات إلكترونية حديثة استهدفت مواقع حكومية، وسعت إلى توضيح الوضع، ونفي مزاعم الاختراقات الجديدة، وتسليط الضوء على الجهود المستمرة لتعزيز الأمن السيبراني الوطني.
في حين يعكس رد الوزارة نية طمأنة الجمهور ومواجهة المعلومات المغلوطة، فإنه يكشف أيضاً عن نقاط ضعف هيكلية أعمق في البنية التحتية الرقمية السورية الموروثة من النظام المخلوع.
ويحلل هذا المقال النقاط الرئيسية في البيان، ويقيّم تداعياته، ويضع تحديات الأمن السيبراني في سوريا.
نفي مزاعم الهجمات الإلكترونية
ينفي بيان الوزارة بشكل قاطع مزاعم الهجمات الإلكترونية الحديثة، مؤكداً أن التقارير المتداولة تستند إلى تسريبات قديمة لا تشكل تهديداً حالياً، ويتماشى هذا مع استراتيجية شائعة في التواصل أثناء الأزمات، حيث يتم دحض الشائعات بسرعة لاستعادة ثقة الجمهور.
ومع ذلك، فإن الجمهور يطمئن بشكل أكبر لو ذكرت له أدلة ملموسة في البيان الوزاري.
وإن تأكيد الوزارة بأن العديد من المواقع المستهدفة متوقفة أو خارج الخدمة يُعقد الرواية، ويكشف عن مشكلة حاسمة، بأن جزءاً كبيراً من البنية التحتية الرقمية السورية يبدو قديماً أو مهجوراً، مما يثير تساؤلات حول التحديات في الحفاظ على بوابات حكومية فعالة، وإن نفي مزاعم الهجمات الإلكترونية دون معالجة الثغرات الأساسية في الكشف عما إذا كانت قد أُجريت تحليلات جنائية أو تحديد طبيعة التسريبات القديمة يترك المجال للتساؤل؟.
تهديدات التصيد الإلكتروني
إن الإقرار بمحاولات التصيد الإلكتروني التي تستهدف الأفراد في البيان يمثل اعترافاً حاسماً، إذ يحول التركيز من المخاطر المؤسساتية إلى المخاطر الشخصية في الأمن السيبراني، وإن التصيد الإلكتروني هو تكتيك يُستخدم بشكل متزايد في الحروب الهجينة، ويستغل الأخطاء البشرية لجمع البيانات الحساسة، وإن دعوة الوزارة إلى رفع مستوى الوعي العام هي دعوة حكيمة ولكنها بحاجة إلى التفاصيل.
بالمقارنة، عندما يتناول المركز الوطني للأمن السيبراني في المملكة المتحدة حملات التصيد، غالباً ما يقرن التحذيرات بإرشادات عملية، مثل تفعيل المصادقة الثنائية أو التعرف على الروابط الخبيثة.
إن توجيه الوزارة إلى “توخي الحذر” يضيع فرصة تمكين المواطنين بأدوات عملية، وهي فجوة يمكن معالجتها من خلال حملات توعية وطنية أو شراكات مع شركات التكنولوجيا الخاصة.
علاوة على ذلك، يؤكد تركيز البيان على التصيد على اتجاه أوسع، فإن الهجمات الإلكترونية لم تعد تقتصر على البنية التحتية الحكومية، بل تستهدف المدنيين بشكل متزايد، ما يجعل بيانات المدنيين هدفاً رئيسياً، حيث يؤدي الوضع المتقلب في سوريا ما بعد الصراع إلى تفاقم هذه المخاطر، مما يستلزم نهجاً أكثر استباقية لتثقيف الجمهور حول الأمن السيبراني.
التحديات الهيكلية في البنية التحتية الرقمية
ربما يكون الجانب الأكثر كشفاً في البيان هو الإقرار بأن العديد من المواقع الحكومية، التي طُورت في فترات سابقة، تفتقر إلى معايير الأمن السيبراني الحديثة وتُدار من قبل مطورين توقفوا عن العمل أو لا يستجيبون، ويشيرهذا إلى مشكلة، بأن البنية التحتية الرقمية الموروثة عن النظام السابق غير مجهزة لمواجهة التهديدات المعاصرة.
وإن قرار الوزارة بتعليق بعض المواقع مؤقتاً هو إجراء عملي ولكنه يشير، رغم اعتماد سوريا على خبراء النخبة من داخل البلاد وخارجها، ورغم أنه جدير بالثناء، يثير تساؤلات حول القابلية للتوسع والاستدامة، وخاصة في ظل هجرة الأدمغة الناجمة عن سنوات الصراع.
وتعكس التحديات للدول التي تتعافى من الحروب مثل سوريا، فهي غالباً ما تعاني من الحوكمة الرقمية المجزأة، والأنظمة القديمة، والميزانيات المحدودة.
ويتفاقم حال سوريا بسبب العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليها، وأيضاً عزلتها عن النظم التكنولوجية العالمية، ما يعوق الوصول إلى أدوات وخبرات الأمن السيبراني المتطورة.
الشفافية وثقة الجمهور
إن تعهد الوزارة بالالتزام بالشفافية والاعتماد على المصادر الرسمية هو إشارة إلى أفضل الممارسات في التواصل الحكومي، ومع ذلك، فإن فعاليته تعتمد على التنفيذ، غالباً ما تقيّم وسائل الإعلام الرائدة بيانات الحكومة بناءً على متابعتها، على سبيل المثال، عندما واجهت أستراليا هجوماً سيبرانياً كبيراً في عام 2022، أصدرت حكومتها إحاطات متكررة وتعاونت مع مدققين من القطاع الخاص للحفاظ على ثقة الجمهور.
ويمكن لسوريا أن تتبنى نموذجاً مشابهاً من خلال إشراك الجامعات المحلية أو مجموعات المجتمع المدني للتحقق من جهودها في الأمن السيبراني.
دعوة للمرونة الاستباقية إن بيان وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات هو رد ضروري لتهدئة الشائعات والسيطرة على تهديدات الأمن السيبراني، ويجب على سوريا الاستثمار في تحديث بنيتها التحتية الرقمية، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وإطلاق حملات توعية شاملة بالأمن السيبراني.
بينما قد يكون “صفر اختراقات” غير قابل للتحقيق، فإن الاستجابة السريعة، والتواصل الشفاف، والتدابير الاستباقية هي معايير يمكن تحقيقها، وبينما تتنقل سوريا إلى المشهد الرقمي الذي تريده، فإن قدرتها على حماية فضائها الإلكتروني ستكون اختباراً لقدرتها الأوسع على الحوكمة والمرونة.