الثورة – رنا بدري سلوم:
اليوم وفي عالم الصحافة الحديثة، تتقاطع الخوارزميات مع غرف الأخبار، ويُعاد تشكيل صناعة الإعلام بفعل الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، وأنظمة التوصية. يناقش كتاب “خوارزميات الصحافة الذكية” للباحث الإعلامي الزميل حسين الإبراهيم إصدار “التعليم العالي والبحث العلمي جامعة دمشق”، تأثير هذه التقنيات على إنتاج المحتوى، وتوزيعه، وتفاعله مع الجمهور، ويطرح تساؤلات نقدية حول مستقبل الصحافة في ظل هذه التحولات. يتوجه الكتاب لصحفيين يريدون فهم الأدوات التي تغير مهنتهم، ولباحثين في الإعلام والذكاء الاصطناعي، ولصناع القرار في المؤسسات الإعلامية، ولأي قارئ فضولي يتساءل: كيف تُصنع الأخبار في عصر الخوارزميات؟
مكتبة عربية
في ظل ندرة المصادر العربية التي تتناول العلاقة بين الصحافة والخوارزميات، يأتي هذا الكتاب ليسد فجوة معرفية ويؤسس لنقاش أكاديمي ومهني عربي حول الموضوع، إنه دعوة للتفكير، وإعادة النظر، والتجريب.
يسألنا الكتاب ببالغ الأهمية: كيف تؤثر الخوارزميات والذكاء الاصطناعي على صناعة الصحافة؟ وهذا يفتح الباب أمام عدة محاور مثيرة: منها تحليل المحتوى الصحفي باستخدام الذكاء الاصطناعي مثل تصنيف الأخبار، التحقق من المعلومات، أو حتى توليد المقالات آلياً. تأثير الخوارزميات على التحيز الإعلامي وانتشار الأخبار الزائفة، كيف يمكن أن تعزز أو تقلل الخوارزميات من الانحياز في التغطية الإخبارية؟ أخلاقيات الصحافة الذكية، من المسؤول عن محتوى تنتجه الخوارزميات؟ وهل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون موضوعياً؟ نماذج من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار العالمية مثل استخدام روبوتات التحرير، أدوات التنبؤ بالاهتمامات، أو تحليل سلوك الجمهور.
تأتي أهمية هذا الكتاب من أنه: يواكب التحول الرقمي في الإعلام، يثير نقاشاً حول مستقبل الصحافة في ظل الأتمتة. يضع إطاراً نظرياً وعملياً لفهم العلاقة بين التقنية والمحتوى. الأهم من ذلك، أن هذا الكتاب يحتل موقعاً مهمّاً في المكتبة العربية كونه الأول من نوعه الذي يقدم هذه الرؤية المتكاملة في الصحافة الذكية، مما يفتح آفاقاً جديدة للإعلاميين في عالم متغير سريع الخطا. ويضم الكتاب مجموعة من المحاور التي تتناول: تطور الصحافة الرقمية في ظل الذكاء الاصطناعي، آليات عمل الخوارزميات في المنصات الإخبارية، التأثيرات الأخلاقية والمهنية للخوارزميات على صناعة الأخبار، نماذج تطبيقية من مؤسسات إعلامية عربية وعالمية، إذا كنت تعتقد أن الصحافة لا تزال كما كانت قبل عشر سنوات، فهذا الكتاب سيغير نظرتك تماماً.
الخوارزميات تكتب الأخبار مستقبلاً..
وفي تصريحه لصحيفة الثورة بين الزميل حسين الإبراهيم أن الكتاب هو محاولة لمساعدة صحفي يغرق اليوم بقيود النماذج التقليدية، ويُختزل دوره بمجرد ناقل للمعلومة، فيأتي هذا الكتاب ليكسر القالب، ويُعيد تعريف الصحافة بوصفها فعلاً إبداعياً، لا مجرد إجراء تقني.
“خوارزميات الصحافة الذكية” ليس مجرد كتاب عن الذكاء الاصطناعي، بل هو دعوة جريئة للصحفي العربي كي يتحرر من نمطية التحرير، ويُعيد اكتشاف نفسه كمهندس لمعمارية السرد، وصانع للمعنى، وجسر حيّ بين العقل والعاطفة، وسط معطيات تحد من أدائه لأسباب متعددة منها: لأن الصحافة اليوم تواجه خطر التبسيط والتقنين، حيث تُنتج الأخبار بلا روح، وتُروى القصص بلا إحساس.
ثانياً لأن الذكاء الاصطناعي، رغم قوته، لا يشعر، ولا يحلم، ولا يتألم، وهنا يكمن دور الصحفي في إضفاء البُعد الإنساني على المحتوى.
ثالثاً لأن الصحفي الذي يُتقن أدوات الذكاء الاصطناعي، ويُعيد توظيفها لصالح السرد، هو من سيقود مستقبل الإعلام، لا من يُستبدل به. هذا الكتاب موجه إلى الصحفيين الذين يسألون: كيف أُطوّر أدواتي دون أن أفقد هويتي؟ وإلى الأكاديميين والباحثين في الإعلام والذكاء الاصطناعي، وإلى كل قارئ عربي يتوق إلى فهم التحولات العميقة في صناعة الخبر. قلت في مقدمة الكتاب: “الصحفي ليس ناقلاً للمعلومة، بل مهندس للمعنى، وصانع للجسور بين العقل والعاطفة. مهما بلغ الذكاء الاصطناعي من دقة وسرعة، يظل عاجزاً عن خلق تجربة إنسانية حية، لأنه لا يشعر، ولا يتألم، ولا يحلم.” هذا الكتاب يُعد – ويثقة – الأول عربياً الذي يتناول العلاقة بين الصحافة والذكاء الاصطناعي بهذا العمق، ويُقدم رؤية جديدة تُعيد الاعتبار للصحفي كمبدع، لا كموظف بيانات.