الثورة – جاك وهبه:
في خطوة توصف بأنها مفصلية ضمن جهود الدولة السورية لإعادة إعمار البلاد وتعزيز أسس الاستقرار الاقتصادي، أصدر السيد الرئيس أحمد الشرع مرسومين جديدين يُنتظر أن يكون لهما تأثير استراتيجي مباشر على مستقبل التنمية الوطنية.
الاستقرار الاقتصادي
فقد صدر المرسوم رقم (112) لعام 2025 القاضي بإحداث مؤسسة ذات طابع اقتصادي في الجمهورية العربية السورية تسمى صندوق التنمية يتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، مقره دمشق ويرتبط برئاسة الجمهورية.
ويهدف إحداث الصندوق وفق المرسوم إلى المساهمة في إعادة الإعمار وترميم وتطوير البنية التحتية والتي تشمل كل ما يدعم الحياة اليومية للمواطنين من خدمات ومرافق كالطرق والجسور وشبكات المياه والكهرباء والمطارات والموانئ وشبكات الاتصالات وغيرها وتمويل المشاريع المتعددة من خلال القرض الحسن.
في الوقت نفسه، صدر المرسوم رقم (115) لعام 2025 القاضي بتشكيل المجلس الأعلى للتنمية الاقتصادية الذي يهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي في سوريا وتنشيطه وتطويره.
كما يهدف المرسوم إلى إنشاء خارطة اقتصادية تغطي كامل الجغرافيا السورية من خلال الإشراف الكامل على العديد من الهيئات والمنظمات والمؤسسات الاقتصادية والتي تعمل في إطار الخطة الاقتصادية للدولة، وإقرار الإستراتيجيات والخطط العامة المتعلقة بالاستثمار.
وفي معرض تعليقه على المرسومين، اعتبر الخبير في الشؤون الاقتصادية فاخر قربي أن القرارات الجديدة تمثل “نقطة انعطاف حقيقية نحو اقتصاد مؤسساتي أكثر نضجاً ومرونة”، مؤكداً أن الدولة بدأت تنتقل من مرحلة إدارة الأزمات إلى مرحلة هندسة المستقبل الاقتصادي.
وقال قربي في تصريحه لصحيفة الثورة: “إحداث صندوق التنمية خطوة بالغة الأهمية، فهو لا يقتصر فقط على تأمين تمويل لمشاريع البنية التحتية، بل يؤسس لمنصة وطنية مستقلة مالياً وإدارياً يمكن من خلالها إطلاق مشاريع استراتيجية برؤية طويلة الأمد، بعيداً عن التعقيدات البيروقراطية والتمويل الخارجي المشروط”.
وأضاف: “الأهم في هذه الخطوة هو أن آلية القرض الحسن ستُحدث نقلة حقيقية في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الريف والمناطق المنكوبة، ما يساهم مباشرة في خلق فرص العمل، وتشجيع الإنتاج المحلي، وتمكين المجتمعات من إعادة بناء نفسها”.
مظلة موحدة
أما عن المرسوم الخاص بتشكيل المجلس الأعلى للتنمية الاقتصادية، فأكد قربي أنه “ضرورة وطنية طال انتظارها”، موضحاً: “وجود مجلس اقتصادي على هذا المستوى يعني وضع الرؤية التنموية تحت مظلة موحدة تتولى التنسيق بين الوزارات والقطاعات المختلفة، وتخلق حالة من الانسجام والفعالية في اتخاذ القرار الاقتصادي، وهو ما تحتاجه سوريا بشدة في هذه المرحلة”.
وأشار إلى أن نجاح هذا المجلس يعتمد على تمثيله لكفاءات وطنية متنوعة: “إذا تم ضم خبرات من الجامعات، والقطاع الخاص، والمؤسسات البحثية، إلى جانب المؤسسات الحكومية، فإننا أمام نواة حقيقية لإطلاق نموذج تنموي سوري يعكس الخصوصية الوطنية والمرونة المؤسسية”.
مع صدور هذين المرسومين، تبدأ سوريا مرحلة جديدة في إدارة ملف إعادة الإعمار والتخطيط الاقتصادي، حيث تتجه الدولة إلى تبني أدوات تمويلية وتنظيمية حديثة تضمن الاستدامة والفعالية، ويبدو أن التركيز سينصب على مشاريع استراتيجية تستهدف البنية التحتية والإنتاج الحقيقي، مع رؤية متكاملة تستشرف مستقبل التنمية بعيداً عن الحلول الترقيعية أو المعالجات الآنية.
وفي ظل هذه المبادرات، يرى مراقبون أن سوريا تفتح الباب أمام نموذج اقتصادي سيادي ومرن، يوازن بين التخطيط المركزي والمبادرة المحلية، ويؤسس لمرحلة إعادة بناء تنطلق من الداخل وتستند إلى القدرات الذاتية والمجتمعية.