أذكر جيداً حين بدأت جائحة كورونا بالتسلل إلى حياتنا اليومية، فتأهبت أقلامنا للكتابة عن عوارضها وآثارها، رسمنا كمامتها ووخز إبرها، فراح الرسامون يشكلونها لوحات فنية موثقة، أقيمت من أجلها المعارض ولاقت حينها نجاحاً باهراً.
لم تكن كارثة الزلزال بمنأى عن تلك الحالة الإبداعية القلقة فحجزت لنفسها مكاناً في النصوص الدرامية والمسرحية بل في الشعر والنثر والقصة وهو ما شاهدناه أيضاً على المسرح من خلال مشاهدات تصف الحالات الإنسانية المعاشة التي خلفتها الكوارث الطبيعية.
وإننا اليوم نعيش الحالة مع تأجّج نيران الساحل الحبيب، فأصبحت الأشجار المترمّدة الباسقة لوحات تشكيلية، لدى البعض الكثير من الفنانين الملتزمين بقضايا الإنسان، لون أحمر يتصدّر اللوحات بألوانه النارية المتدرجة كنت أحبها يوماً، ولا أخفيكم أنني نفرت منها بعد اشتعالها المتواصل وتمرّدها، وفرض غطرستها على الطبيعة بكائناتها الحيّة “نبات وحيوان وبشر”، ملقية ظلال سوادها ليصبح كل ما حولها رماداً منثوراً.
اليوم يوثّق كل منّا في مجال عمله الأحداث، تلبية لثقافة الأزمات، التي تتبع الأخبار العاجلة فتتأهب كلمة ولوناً ولحناً للتعبير عما يعكسه الحدث على الحالة الإنسانية، نبكي على الورق ونغمس الريشة حد الوجع، ونغني سيمفونية خاصة تحد من تصاعد وتيرة الأحزان في نفوسنا، وإن دلّ على شيء فإنه قدرة السوريين على الإبداع والخلق وتدوير الزوايا ونكران الأحداث بطريقة فنية خاصة، نبدع في الأزمات والحروب، نجيد لغة الحياة والبقاء، نروّض تمرّد الحرب، نحولها إلى حبّ، وبكاء الرثاء إلى غناء والحداد إلى رجاء.