الثورة – سمر حمامة:
سقط الصاروخ الإسرائيلي الأول قبل وصولنا إلى المكان بثوانٍ معدودة.. لحظة مرّت وكأنها دهر، دوت فيها أصوات الانفجار، واهتزت الأرض، لكن لطف الله كان حاضراً، فكتب لنا النجاة أنا وزملائي.. لم نكد نستوعب هول المشهد حتى توالت الضربات، وسقط الثاني، ثم الثالث، فارتعدت قلوبنا، واعتصر الخوف أعماقنا، ولكننا لم نملك سوى أن نرفع أيدينا إلى السماء، ونفوّض أمرنا إلى الله، مستسلمين لقضائه، مؤمنين بحكمته.
في تلك اللحظة الصامتة التي جمعتنا على وقع الدمار، سرحت في داخلي، تكلّمت روحي مع نفسها، وتأملت هذا الواقع المرير الذي نعيشه، كيف باتت أرضنا الحبيبة مسرحاً للعدوان، وكيف أن عدونا لا يفرّق بين بشرٍ أو حجر، فهو يستهدف كل ما ينبض بالحياة. إنه الوجه القبيح للاحتلال الإسرائيلي الذي مهما بدّل أقنعته، يبقى عدوّاً متجذراً في الحقد.
وسط ذلك المشهد، بدأنا نتبادل الأحاديث، محاولين تهدئة نفوسنا وتخفيف وقع الرعب على قلوبنا، كان كلامنا مليئاً بالأسى، وبنفس الوقت بالأمل.
في غمرة الحديث المؤلم قال أحد الزملاء: “نحن أهل وشعب واحد، لم نكن يوماً نُسائل أحداً من أين هو أو من أين جاء، لأننا نعيش معاً، نأكل من نفس الرغيف، ونشرب من نفس النبع، ونحزن ونفرح سوياً.. تربطنا جذور المحبة، وتجمعنا مشاعر الألفة، عدونا واحد هو الإسرائيلي، ولن نسمح له أن يفرّقنا”.
كلامه لامس قلوبنا جميعاً كعينة من هذا المجتمع، وأيقظ في داخلنا إحساساً لا يتوه عن معنى الوطن، الوطن ليس فقط أرضاً نعيش عليها، بل هو البيت الكبير، هو العائلة الواحدة التي مهما اختلف أبناؤها، يبقون مرتبطين بحبلٍ من ودّ لا ينقطع.
قد تمر الأسرة بأوقات عصيبة، وقد يكون بعض الأبناء مرهقين، متعبين، لكن الأم تبقى الحضن الحاني الذي يجمع، يغفر، ويصبر حتى يعود أبناؤها إلى رشدهم.. وكذلك هي الحكومة الرشيدة في هذا الوطن، هي أمّنا جميعاً، التي نأمل منها أن تكون الحامية والحاضنة، وأن تحتوي كل أبنائها على اختلاف مشاربهم.
الحكومة اليوم معنية أكثر من أي وقت مضى أن تتصرف كأم حقيقية، تُسامح وتحتوي، ولا تترك فرصة للفتنة كي تدخل بين أفراد العائلة.. لأن ما يريده العدو فعلاً، ليس فقط تدمير بنياننا، بل تمزيق نسيجنا المجتمعي، وتحويلنا إلى شعوب متناحرة يسهل السيطرة عليها.
الغريب، مهما بدا متعاطفاً، لا يحمل لنا الخير، فهو كالأفعى التي تغيّر جلدها كل حين، لكنها في جوهرها لا تزال تحمل السمّ، يتدخل بذريعة “حل النزاع”، لكنه لا يفعل سوى صب الزيت على النار.. من هنا، يجب أن نبقى متيقظين، وألا نسمح له أن يتسلل إلى بيوتنا وأفكارنا، الحل يبدأ من الداخل، من وعينا الوطني، ومن صدق محبتنا لبعضنا ووقفنا مع دولتنا.
علينا أن نتكاتف، أن نراجع ذواتنا، ونتعلم من تجارب الماضي والحاضر، فقد علّمتنا سنوات الحرب الطويلة أن لا أحداً سينقذنا سوانا، وأن قوة هذا الوطن تكمن في وحدة شعبه، الأديان والمذاهب يجب أن تكون مصدر محبة لا فتنة، والتنوع لا يعني الخلاف، بل هو غنى ثقافي وإنساني علينا أن نعتز به لا أن نقتتل لأجله.
هذا هو الدور الحقيقي لحكومتنا الكريمة، ولمشايخنا، ولعلمائنا ومثقفينا، أن يُرشدوا الناس إلى الخير، وأن يدعموا أواصر المحبة بين أبناء الوطن الواحد، وأن ينبذوا لغة العنف والكراهية من المساجد والمدارس والمنابر، أن يجعلوا من اختلافنا فرصة للحوار، لا سبباً للشجار، لأن المستفيد الوحيد من خلافاتنا هو عدونا، ذلك العدو الذي لا يميّز بين مسلم ومسيحي، بين طائفة وأخرى، بل يستهدفنا جميعاً لأننا أبناء هذه الأرض المباركة.
في النهاية، لا نملك إلا أن نعيد التأكيد على أن هذه الأرض لنا، وأن هذا الوطن بيتنا، سنبنيه بالحب والصبر، وسنصونه بالوعي والوفاء.. قد يسقط صاروخ اليوم، وقد نرتجف خوفاً، ولكننا لن ننكسر، لأن ما يجمعنا أقوى من أي سلاح، وأعمق من أي انقسام.