بقلم: ضياء قدور – كاتب ومحلل سوري:
تتعارض تصريحات المسؤولين الإيرانيين وتكشف عن ارتباك عميق وضعف في مواجهة العمليات الاستخباراتية الأجنبية المتزايدة، إذ يواجه النظام الإيراني تحديات داخلية متصاعدة وضغوطاً خارجية متزايدة، حيث كشفت سلسلة من التصريحات المتضاربة لأعضاء البرلمان الإيراني عن ارتباك داخلي متفاقم وشعور بالضعف الأمني، وتعكس الخطابات العامة حالة من الفوضى المؤسسية العميقة، إلى جانب صراع متزايد حول كيفية التعامل مع التسلل الاستخباراتي الأجنبي المزعوم.
تناقضات في البرلمان
في تصريح لافت، دعا النائب وعضو الحرس الثوري إبراهيم آبنوش، العضو في لجنة الأمن القومي، إلى تطهير شامل لـ”المتسللين والعناصر غير المرغوب فيها” داخل المؤسسات الحكومية.
وتتردد تصريحاته مع تحذيرات متكررة من المرشد الأعلى علي خامنئي حول وجود عناصر معادية داخل النظام الإيراني، وهي فكرة طالما استُخدمت لتبرير القمع على المعارضين وتطهير البيروقراطية.
لكن تصريحات آبنوش قوبلت بانتقاد صريح من نائب آخر، منان رئيسي، الذي تحدى إحدى الروايات الأساسية للنظام.
وأقر رئيسي، استناداً إلى “معلومات استخباراتية موثوقة”، بأنه لا يوجد مهاجر أفغاني واحد ضمن شبكات التجسس الإسرائيلية العاملة في إيران.
،وهذا يناقض بشكل مباشر ادعاءات النظام المتكررة بأن الأفراد المولودين في الخارج، وخاصة اللاجئين الأفغان، يتم استخدامهم كجواسيس، وهي رواية تُستخدم غالباً لإثارة المشاعر المناهضة للأجانب وصرف الانتباه عن المشكلات الداخلية.
تصريح رئيسي ليس فقط اعترافاً نادراً علنياً، بل هو ضربة كبيرة لمصداقية النظام، حيث يكشف عن فشل حملاته الدعائية ومحاولاته لتحميل المهاجرين مسؤولية الثغرات الأمنية.
ظلال صراع 12 يونيو
تتمثل الأزمة الأعمق في خرق أمني أكثر إثارة للقلق، الهجوم الإسرائيلي المزعوم على اجتماع حساس للغاية للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، والذي يُزعم أنه وقع في 12 يونيو.
ووفقاً لمصادر رسمية وشبه رسمية، كان هذا الاجتماع الاستثنائي – الذي حضره رؤساء الفروع الثلاثة للحكومة، وقادة عسكريون، ووزراء كبار- هدفاً لضربة إسرائيلية قبل دقائق من إصابة صاروخ إسرائيلي لبرج زجاجي تابع لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية (IRIB).
تتزايد الأسئلة في وسائل الإعلام الإيرانية وبين أوساط النظام: كيف حصلت إسرائيل على معلومات دقيقة حول تاريخ وتوقيت ومكان الجلسة المغلقة؟ وكيف تمكنت من استهداف ستة مواقع رئيسية، بما في ذلك مسارات الإجلاء المحتملة؟.
هذه الهموم لم تُطرح فقط من قبل المعارضين أو المحللين الأجانب، بل في وسائل الإعلام المرتبطة بالدولة مثل صحيفة هم‌ميهن، التي تساءلت عما إذا كان الهجوم يشير إلى عودة التجسس والاغتيالات عالية المخاطر التي كانت سائدة في أوائل الثمانينيات.
كما سلطت الصحيفة الضوء على الفجوة المتزايدة بين التقييمات العامة لمسؤولي النظام والواقع التشغيلي الذي كشفته القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية، ما يشير إلى أن طهران قد تكون غير مدركة لمدى الخرق، أو غير راغبة في الاعتراف به علناً.
جرس إنذار كان استراتيجي
هيئة الإذاعة والتلفزيون السابق وحيد جليلي أول من اقترح أن اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي كان هدفاً.
وجاءت تأكيدات لاحقة من مسؤولين بارزين مثل رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني وقائد الحرس الثوري السابق محسن رضائي.
كما أشار رئيس النظام الإيراني، مسعود بزشكيان، إلى الهجوم خلال مقابلة مع الصحفي الأميركي تاكر كارلسون، واصفاً إياه بمحاولة إسرائيلية لاغتيال قيادات النظام العليا.
اتضح لاحقاً أن الهدف النهائي كان جلسة طارئة للمجلس الأعلى للأمن القومي، والتي تضم أبرز الشخصيات في إيران: رؤساء الفروع التنفيذية والتشريعية والقضائية، وكبار المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين، وممثلين اثنين عينهما المرشد الأعلى مباشرة.
لو نجحت الضربة، لكانت قد شلت هيكل القيادة الوطنية الإيرانية.
التبعات الاستراتيجية
أعادت تداعيات الحادث إشعال النقاش حول عقيدة النظام الأمنية.
وأشار رئيس البرلمان محمد باقر غاليباف إلى أن أحد الأهداف الاستراتيجية الرئيسية لإسرائيل هو “تغيير النظام السياسي الحاكم في إيران”.
وبالنظر إلى توقيت الهجوم ودقته، يبدو هذا التقييم معقولاً، علاوة على ذلك، فإن حقيقة أن العملية الإسرائيلية جرت قبل دقائق من هجوم جوي منسق في غرب طهران تشير إلى مستوى من التطور الاستراتيجي والتقني يتجاوز الحوادث السابقة بكثير.
كما أنها تثير شكوكاً جدية حول فعالية جهاز مكافحة التجسس الإيراني.
وسط هذا الاضطراب الداخلي والضغط الخارجي، تشيرجميع المؤشرات إلى الحاجة الملحة لبديل سياسي قابل للتطبيق للنظام الديني في إيران.
النظام نفسه يدرك هذا المسار جيداً، وهو ما يفسر لماذا كثّف جهاز الدعاية الحكومي، بالتنسيق مع وزارة الاستخبارات، حملات التضليل لتشويه سمعة منظمة مجاهدي خلق الإيرانية ، التي تُعد القوة المنظمة الوحيدة القادرة على تقديم بديل حقيقي للنظام الحالي.
في المقابل، يكتسب “الخيار الثالث” الذي يطرحه المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية – الذي يرفض الحرب والاسترضاء معاً- زخماً كبيراً كالمسار الوطني والمستقل الأكثر جدوى.
هذا الخيار يقوم على رفض نظام ولاية الفقيه ويقدم رؤية لجمهورية ديمقراطية علمانية، تستند إلى مبادئ المساواة وحقوق الإنسان.
وتمثل المقاومة المنظمة للمجلس الوطني للمقاومة، بدعم من “وحدات الانتفاضة” التابعة لمنظمة مجاهدي خلق، البديل المستقل والشعبي الوحيد القادرعلى تحدي سيطرة النظام على السلطة.
التناقضات في التصريحات
تكشف التناقضات في التصريحات العامة، إلى جانب الكشف عن نقاط ضعف عميقة في قلب البنية الأمنية للنظام، عن صورة لحكومة تفقد السيطرة بشكل متزايد وتغرق في أزماتها.
بينما يستمر بعض المسؤولين في إلقاء اللوم على متسللين غامضين، يعترف آخرون الآن بالحقائق المرة حول فشل روايات النظام.
تشير التطورات الأخيرة- من فشل السيطرة على الروايات الدعائية حول المهاجرين الأفغان إلى الخطأ الكبير في قلب قيادة الأمن القومي الإيراني- إلى أن النظام يدخل مرحلة من عدم الاستقرار الداخلي الحاد.
وبينما يتدافع النظام لاستعادة السيطرة وإنقاذ مصداقيته، تصبح الفجوة المتزايدة بين الخطاب والواقع مستحيلة التجاهل.
ويؤكد لصعود بديل منظم وذي مصداقية في شكل المجلس الوطني للمقاومة ومنظمة مجاهدي خلق على إمكانية التغيير التحويلي في المشهد السياسي الإيراني.