الثورة- منهل إبراهيم:
سوريا الجديدة من المجتمعات التي تحاول إعادة بناء نفسها من جديد، والانتقال من حقبة تتسم بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وتعد صارخ على الحريات العامة، إلى دولة ديمقراطية تلبي مطالب الشعب في العدالة والمساواة وتعزيز مكانة القانون وسيادته، بما يقوي النسيج الوطني، وتحقيق أمن وسلام مستدامين.
وفي هذا السياق تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى العدالة الانتقالية وتبذل كل ما يلزم للوصول إلى غاياتها السامية، كي ينجح المجتمع السوري في التعامل مع نتائج الانتهاكات والمظالم التي ارتكبت بحقه في المرحلة السابقة، وذلك للوصول إلى رفع ثقة الأفراد في مؤسسات الدولة، وتدعيم احترام حقوق الإنسان، وتعزيز سيادة القانون، كخطوة أساسية نحو المصالحة ومنع الانتهاكات، وقد أظهرت مبادرات العدالة الانتقالية مرارا وتكرارا في دول أخرى أنها تساهم في معالجة المظالم والانقسامات وتوحيد الصف.
وتساهم عمليات العدالة والمساءلة في إطار العدالة الانتقالية في كسر دوامة العنف والفوضى، والانتهاكات واستعادة سيادة القانون والثقة في المؤسسات، وبناء مجتمعات قوية وقادرة على وأد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان قبل وقوعها. وقد ركزت قرارات مجلس الأمن على أهمية المساءلة في منع النزاعات في المستقبل، وفي تجنب تكرار الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، وفي تمكين السلام الدائم والعدالة والحقيقة والمصالحة، كما أن العدالة والمساءلة أساسيتان للتصدي لخطر وقوع انتهاكات ومعالجتها في المستقبل لإرساء سلام دائم.
ولابد من الإشارة إلى أن العدالة الانتقالية حماية وطنية، وفيها ضمانات عدم تكرار الانتهاكات، وهي بطبيعتها تطلعية ووقائية، فهي إجراءات محددة تعالج الأسباب الجذرية والفورية للانتهاكات بهدف تجنب تكرارها، وهذا أمر حيوي ومهم يعزز ثقة الأفراد بالدولة ومؤسساتها، ويدعم السلام وسيادة القانون في المجتمع، خصوصا في دولة كسوريا خارجة من رحم حرب طويلة وسياسات قمعية فرضها النظام المخلوع، وارتكب خلالها انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان.
والواقع أن ترسيخ ثقافة عدم الإفلات من العقاب يسهم تلقائيا في تعزيز الديمقراطية ودولة القانون القائمة في الأصل على ربط المسؤولية بالمساءلة والمحاسبة، لكن العدالة الانتقالية مع صرامتها لا تسعى إلى العقاب في جوهرها، وإنما إلى تحديد المسؤوليات وجبر الضرر وإعادة الثقة للضحايا في الدولة والمجتمع وفي قدرتهما على حمايتهم، وهي قيم حيوية للتماسك الاجتماعي والاستقرار.
الحكومة السورية واضحة في العمل على تعزيز أسس السلام والأمن والاستقرار في البلاد وترسيخ ثقافة المحاسبة وتعزيز منطق المؤسسات، وتفعيل دولة القانون كمظلة للجميع تقوم بتحمل المسؤولية والمساءلة والمحاسبة على أي انتهاك، وتحديد المسؤولين، وفي كل الأحداث التي مرت بعد سقوط النظام المخلوع أبدت الحكومة استعدادها وسعيها إلى حماية مواطنيها، ضمن إطار يدعو للتماسك الاجتماعي والاستقرار.
وفي الوقت نفسه، يشارك الأفراد بركونهم لكنف الدولة كملاذ لا بديل عنه لهم في دعم خطوات العدالة الانتقالية، ويعتبر السعي إلى تحقيق المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في مرحلة ما بعد الحروب والأحداث الفوضوية ،عنصراً أساسياً ووسيلة مركزية لحل الملفات، وجسر الهوة بين الأفراد والمجتمعات، وتعزيز ثقة الأفراد والمجتمعات ببعضهم البعض، وبدولتهم التي يسود فيها صوت العدالة والقانون والمساواة.
