العدالة الانتقالية والفرق بينها وبين العدالة الجنائية

الثورة- عبد الحليم سعود:
منذ انتصار الثورة السورية في الثامن من كانون الأول عام 2024 وسقوط نظام الدكتاتورية، تم تداول مصطلح العدالة الانتقالية بصورة واسعة جدا وغير مسبوقة في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، كما تكرر هذا المصطلح كثيراً في تصريحات لمسؤولين محليين ودوليين، ناهيك عن تداوله بكثرة على ألسنة الخبراء والحقوقيين والمحللين السياسيين، وذلك لأن هذا الموضوع يعد مطلباً شعبياً واستحقاقا وطنياً، وجزءا أساسياً في المرحلة الانتقالية.
ويقول الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان في العدالة الانتقالية: “هي مجموعة العمليات والآليات التي تستخدمها المجتمعات لمعالجة إرث الصراعات والانتهاكات واسعة النطاق في الماضي، بهدف تحقيق المساءلة، والعدالة، والمصالحة”، وبتعبير آخر هي مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية التي تتخذها الدول لمعالجة إرث انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي حدثت في فترة سابقة من تاريخها، ولاسيما في فترات التحول السياسي أو النزاعات والحروب، ولها أربع ركائز أساسية أهمها الملاحقات الجنائية، والبحث عن الحقيقة، والتعويضات، وأشكال مختلفة من الإصلاح والوقاية.
وتختلف إجراءات العدالة الانتقالية الاستثنائية من بلد إلى آخر، ومن زمن إلى آخر، ويتم اعتمادها بناءً على مشاوراتٍ جماعية واسعة النطاق “مؤتمرات أو ورشات عمل مثلا” لأفراد المجتمعات صاحبة المصلحة وهم الأشخاص المتضررون والمتأثرون بالحرب و النزاعات وبقية المواطنين الذين عانوا من انتهاك حقوقهم وعدم المساواة أمام القانون بسبب النظم الديكتاتورية والقمعية، وهدفها معالجة آثار نزاعٍ سياسي أفرز إشكالات مجتمعية ومظالم تاريخية كبيرة.
فالدول الخارجة من عهود الاستبداد، والمجتمعات الباحثة عن الاستقرار بعد الثورات أو الحروب الأهلية، تحتاج إلى وسائل استثنائية تتناسب وطبيعة الانتهاكات والخروقات لقواعد العقد الاجتماعي الناظم لحياتها، ولحقوق البشر المؤلّف منهم هذا المجتمع أو المنتمين لتلك الدولة.
وتهدف العدالة الانتقالية إلى إعادة السلم الأهلي والاستقرار المجتمعي وتجاوز انتهاكات الماضي ومنع إمكانية تكرارها مستقبلاً”، وتستند آليات عمل العدالة الانتقالية وأدواتها، إلى خيارات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، مثل محاسبة مرتكبي الانتهاكات، وإنصاف الضحايا وتعويضهم مادياً و معنوياً، وإصلاح مؤسسات الدولة وإعادة هيكلتها وفق معايير تمنع ارتكاب الانتهاكات وتحترم حقوق الإنسان في المستقبل، وكذلك بيان مصير المختفين قسرياً والمفقودين، وتخليد ذكرى الضحايا والشهداء عبر النصب التذكارية وتسمية بعض الشوارع والأماكن بأسمائهم.
فالدول التي خرجت حديثاً من حروب و صراعات أو تخلصت من نظام ديكتاتوري متسلط ارتكب فظائع وجرائم بحق شعبه، مطالبة بأن توفر للضحايا سبل إنصاف فعالة تشمل جبر الضرر، ولا يجوز لها التنصل من هذه الالتزامات عن طريق تدابير العفو أو غيرها، وهذا الالتزام منصوص عليه ومكرَّس في العديد من المعاهدات، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وذلك كي لا يتشكّل لدى المجتمع دافع قوي ورغبة بالانتقام، وهو ما يدخل المجتمع في دوّامة لا نهائيّة من العنف والعنف المتبادل.
وفي تصريح له تعليقاً على تشكيل لجنتي “العدالة الانتقالية” و”المفقودين” في سوريا، قال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك في 19 أيار الماضي: إن العدالة الانتقالية ضرورية لتحقيق السلام الدائم والمصالحة بين جميع السوريين، مضيفاً “لكل ضحية ومجتمع متضرر الحق في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة وجبر الضرر، وضمان عدم تكرار الانتهاكات والفظائع التي وقعت في الماضي”.
وفي سياق التفريق بين العدالة الانتقالية والعدالة الجنائية، نجد أن الأخيرة مرتبطة بتاريخ ظهور الجريمة والعقاب وقواعد القانون التي تحمي المجتمع من المجرمين، ولكنها تعمل في ذات الوقت على حماية حقوق المتهمين وضمان محاكمتهم بشكل عادل، وهي تتعلق بالنظام الجنائي لبلد ما كأداة اجتماعية لتطبيق معايير السلوك الضرورية لضمان حرية وسلامة الأفراد وحفظ النظام العام في المجتمع، ولديها هدفان هما: تحقيق المصلحة الخاصة للأفراد بضمان حرياتهم وحقوقهم، وتحقيق المصلحة العامة للمجتمع بضمان الأمن والاستقرار، من خلال تطبيق قواعد عامّة ضمن بيئة طبيعية لاستقرار المجتمع.
كما تعتمد على استقلال السلطة القضائية وحيادها، بما يوفر حماية حقوق الإنسان الأساسية، خصوصاً التقاضي بمختلف درجاته، والاستناد إلى مبدأ البراءة المفترض بالمتهم وضمان حقوقه في الدفاع واستئناف القرارات، فضلاً عن ضرورة تنفيذ الأحكام جبراً بقوّة القانون وأجهزة الدولة المعنية.

آخر الأخبار
تحرّك في الكونغرس لإلغاء عقوبات 2003 و 2012 المفروضة على سوريا  تعزيز الاستقرار والخدمات في حلب.. ومتابعة التنفيذ وتذليل العقبات الرنين المغناطيسي في "وطني طرطوس" قيد الصيانة.. وآخر جديد بالخدمة قريباً أسعار سياحية في أسواق درعا الشعبية تصريحات الرئيس الشرع تَلقى صدى إيجابياً واسعاً في وسائل الإعلام الغربية والعربية غضب واستنكار شعبي ورسمي بعد جريمة الاعتداء على الشابة روان في ريف حماة قمة ثلاثية في عمّان تبحث تطوير  النقل بين سوريا وتركيا والأردن أنقرة: "قسد" تراهن على الأزمة مع إسرائيل في سوريا… وتركيا تحذر  رؤية استراتيجية لإعادة بناء الاقتصاد السوري.. قراءة في حديث الرئيس الشرع انتهاكات الاحتلال للأراضي السورية.. حرب نفسية خطيرة لترهيب المدنيين منحة النفط السعودية تعطي دفعة قوية لقدرات المصافي التشغيلية "إكثار بذار حلب" تحتضن طلاب "التقاني الزراعي" في برنامج تدريبي باخرتان محمّلتان بـ 31570 طناً من القمح تؤمان مرفأ طرطوس  برؤية متكاملة وواضحة.. الرئيـس الشـرع يرسم ملامح المرحلة المقبلة   تركيا: يجب دعم سوريا.. واستقرارها مهم لأمن وسلام أوروبا ترحيب عربي وإسلامي باعتماد الجمعية العامة "إعلان حل الدولتين "  ناكاميتسو تشيد بتعاون سوريا في ملف الأسلحة الكيميائية وتصف المرحلة الحالية بالفرصة الحاسمة  مشاركة وزير التربية والتعليم في البرنامج الدولي للقادة التربويين في الإمارات  "الخارجية" تُشيد بالمبادرة الأخوية لقطر والأردن بإرسال قافلة مساعدات إنسانية  مركز نصيب الحدودي.. حركة تجارية نشطة ورفع القدرة الاستيعابية