الثورة – جهاد اصطيف:
في سعي واضح لتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، أعلنت وزارة الداخلية مؤخراً عن تخفيض رسوم إصدار وتجديد جوازات السفر، وذلك وفقاً للمرسوم رقم 119 لعام 2025، في خطوة وصفت بأنها انفراجة طال انتظارها، لكنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة على الأرض، تعكس هشاشة البنية التحتية الرقمية وعمق الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المواطن السوري داخل البلاد وخارجها.
“أنجز” بوابة واعدة أم عبء جديد؟
في 26 حزيران الماضي، صادق وزير الداخلية، أنس خطاب، على قرار خفض رسوم الجواز الفوري داخل القطر من مليوني ليرة إلى 1.6 مليون ليرة سورية، وللمغتربين من 800 إلى 400 دولار للجواز الفوري، ومن 300 إلى 200 دولار للجواز العادي، القرار دخل حيز التنفيذ فوراً عبر منصة ” أنجز ” الإلكترونية التي تم اعتمادها كوسيلة رسمية لاستقبال الطلبات.
إلا أن هذا التحديث لم يكن بلا ثمن، إذ اقتصرت إمكانية استخراج الجواز الفوري على الداخل السوري فقط، بينما لا تزال الإجراءات للمغتربين تتطلب تقديم إثباتات إضافية مثل فيديو مصور أمام معلم معروف في الدولة المضيفة، ما أثار تحفظات عدة حول الخصوصية والقدرة على تنفيذ هذا الشرط.
الماضي القريب
لعل أبرز ما يظهر أهمية القرار الجديد هو حجم المعاناة السابقة في الحصول على جواز سفر، إذ تحدث مسؤول سابق عن استخراج جوازات السفر لصحيفة الثورة عن واقع مرير، كان المواطنون فيه رهائن لسماسرة فرضوا أسعاراً وصلت إلى آلاف الدولارات، سواء امتلك المتقدم جوازاً قديماً أم لا، وقد خسر كثيرون أموالهم دون الحصول عليه، حتى مع إطلاق منصة ” أنجز ” في عهد النظام البائد، بقيت التكلفة مرتفعة جداً، إذ كان الجواز المستعجل يكلف نحو 1200 دولار، فيما تجاوز الجواز العادي في حينها 700 دولار مع رسوم شحن إضافية، لتصل تكلفة الجواز إلى ما يعادل راتب عام كامل لدى بعض الأسر.
لا يعني سهولة الإجراء
رغم ترحيب أغلبية المواطنين بالقرار، فإن المشكلات اللوجستية لا تزال حاضرة بقوة، فالمنصة الإلكترونية، رغم تحديثها، تبقى عصية على كثير من كبار السن وسكان المناطق الريفية، ما يدفعهم مجدداً إلى الاستعانة بوسطاء تقنيين مقابل مبالغ إضافية، وهو ما يعيد ظاهرة “السمسرة” لكن بصورة جديدة.
كما يضطر المراجعون للحضور منذ ساعات الفجر لحجز دور أمام بوابات مبنى الهجرة والجوازات، وسط شكاوى من طول فترة الانتظار، ضيق الممرات، وانعدام التهوية.
المواطن أبو أسعد من حي الميدان يروي: أقف من الخامسة صباحاً، وإن لم أفعل، فقد يضيع يومي من دون حتى استلام الاستمارة، ننتظر 3–6 ساعات فقط لتسليم الطلب، والعودة مجدداً لاستلام الجواز قد تعني أسبوعاً آخر من المعاناة ويضيف: لو كنت أعلم أن الوضع صعب للغاية- بالنسبة لكبر سني- لكنت حجزت في حمص أو حماة، مثل الكثيرين ممن باتوا يفعلون ذلك ويسهلون الأمر عليهم، بعيداً عن المعاناة التي نقضيها هنا، حتى نحصل على الجوازات المطلوبة.
مغتربون يطالبون بحلول
من جهته، أكد مغترب سوري لـ”الثورة” أن الإجراءات الإلكترونية الجديدة مشجعة، لكنه أشار إلى معضلة خطيرة تكمن في تضارب البيانات الورقية، ويقصد بذلك البيانات العائلية المستخرجة من دائرة الأحوال المدنية “النفوس”، التي لا يمكن تصحيحها بسهولة، ما يعرقل إصدار الجواز.. وطالب المعنيين بإنشاء آليات إلكترونية مرنة لتصحيح الأخطاء، بعيداً عن سلاسل التصديقات الورقية الطويلة والمرهقة.
خطوة في الاتجاه الصحيح.. ولكن!
صحيح أن التخفيضات الأخيرة لاقت ترحيباً بين الطلاب والعمال الذين رأوا فيها أداة لتوفير المال وتسريع الإجراءات، لكن المراقبين يحذرون من أن غياب البنية التحتية الرقمية المتكاملة، وتدني الثقافة التكنولوجية لدى قطاعات واسعة من المجتمع، يشكلان عقبة حقيقية أمام نجاح هذه الإجراءات.
وفي حين تم إلغاء الموافقات الأمنية المعقدة التي كانت سائدة سابقاً، إلا أن خدمات الشحن ورسوم المعاملات الإضافية لا تزال تثقل كاهل المغتربين، وخاصة في الدول المجاورة كتركيا، إذ تصل تكلفة إيصال الجواز لأقرب ولاية إلى 50 دولاراً إضافياً، وهو مبلغ كبير بالنظر إلى مستويات الدخل الحالية.
نداء من الداخل
هاشم محمد، شاب ثلاثيني من حي الأشرفية، يعمل في مهنة الكهرباء، وصف القرار بـ”بارقة أمل”، لكنه تساءل بمرارة.. ما الفائدة إن كان مبلغ 1.6 مليون ليرة سورية لا يزال أكبر من قدرتي على الادخار؟ الجواز حلم صعب المنال، نحتاج إلى قروض ميسرة أو برامج دعم فعلية.
وشدد على أن الحل لا يكمن فقط في إلغاء السماسرة أو تخفيض الرسوم، بل في إحداث تغيير جذري في نمط تقديم الخدمات، داعياً إلى تخصيص مكاتب ميدانية لمساعدة من لا يجيد التعامل مع الإنترنت والشبكة.
مطلب الساعة
يرى الكثير ممن التقيناهم عن قرب في محيط مبنى الهجرة والجوازات أن القرار الجديد، رغم إيجابيته، لن يؤدي إلى تغيير جوهري ما لم يترافق مع تحسين في البنية التحتية، تدريب للكوادر، وتبسيط الإجراءات الورقية، فالحلول الرقمية لا تكتمل من دون ضمانات للمساواة في الوصول، وخاصة لمن يعيشون في الأرياف أو يعانون من ضعف في الخبرة التقنية، فطريق الإصلاح طويل، والمواطن ينتظر، رغم أن الحكومة الحالية قطعت شوطاً مهماً عبر هذا القرار، فإن التحدي الأكبر يكمن في تحويله من مجرد تخفيض رسوم إلى إصلاح متكامل لمنظومة إصدار الوثائق الرسمية، يحترم وقت المواطن وجهده، ويمنحه حقه في التنقل من دون استغلال، فهل تنجح الحكومة في استكمال هذا المسار، وتقديم خدمات عصرية تلبي حاجات المجتمع السوري بكل فئاته؟.