الإنعاش متوقف وصوت الألم يرتفع.. وضع صحي مأساوي يهدد حياة الآلاف في ريف حلب

الثورة – حسن العجيلي:

“أنا مريض قلب، ولا أقدر على تحمّل تأخير بالإسعاف أو بالأوكسجين.. آخر مرة تأخرت بالإسعاف، وصلت إلى المستشفى وأنا “بنص” غيبوبة.” هكذا تحدّث الحاج أبو عبد الله، وهو رجل ستيني يقيم في قرية شمارق بريف حلب الشمالي، عن معاناته المستمرة مع مرض القلب، وهو واحد من آلاف المرضى الذين يعيشون على أمل استمرار تلقّي الرعاية الطبية في المنشآت الطبية القليلة في المنطقة.

إلا أن ذلك الأمل لدى المواطنين في ريف حلب الشمالي بات اليوم مهدداً بالانطفاء، بعد أن أعلنت “مديرية صحة حلب سابقاً” يوم الأحد الماضي في بيان رسمي عن توقف الدعم عن تسع منشآت ومشاريع طبية حيوية في الريف الشمالي للمحافظة، ما أثار موجة من القلق العميق لدى الكوادر الصحية، والمجتمعات المحلية، والجمعيات الإنسانية العاملة في الشأن الطبي والإغاثي. القرار المفاجئ يشمل مؤسسات صحية تقدم خدماتها لعشرات آلاف المدنيين، في منطقة تعاني أصلاً من نقص حاد في البنية التحتية الطبية، وتراجع النظام الصحي الذي أضعفته الحرب، وأثقل كاهله النزوح المتكرر، وتقلص التمويل الدولي، وتغيّر أولويات الجهات الداعمة.

خارج الخدمة

المنشآت التي شملها قرار إيقاف الدعم تمثل العمود الفقري للقطاع الصحي في ريف حلب الشمالي، وتشمل: (مستشفى الحروق التخصصي – مستشفى شمارين التخصصي- مستشفى الشهباء للصحة الإنجابية – مركز كفرجنة الصحي – منظومة الإسعاف – محطة توليد الأوكسجين – محطتا حرق النفايات الطبية – المخبر الوبائي)، وكل منشأة من هذه المؤسسات لم تكن مجرد مبنى طبي، بل كانت تُجسد شريان حياة يربط آلاف المرضى بالعلاج والرعاية الصحية.

مستشفيات نوعية في مهبّ التوقف

مستشفى الحروق التخصصي، على سبيل المثال، كان يقدم خدماته لما يقرب من 1743 مستفيداً شهرياً، ويُعتبر من المؤسسات المتخصصة في معالجة الحروق بكفاءة، بفضل كادر طبي مدرّب وتجهيزات طبية نادرة في المنطقة.

أما مستشفى شمارين التخصصي، فكان يغطي رقعة جغرافية واسعة واستقبل 4230 مستفيداً في الفترة الأخيرة، كان يقدم خدمات نوعية تشمل العمليات العظمية الدقيقة، تبديل المفاصل، معالجة إصابات العمود الفقري، والعناية القلبية المركزة.

ومستشفى الشهباء للصحة الإنجابية، هو الآخر، أدى دوراً رئيسياً في تحسين مؤشرات الصحة الإنجابية في المنطقة، وقدم خدمات لأكثر من 4460 مستفيدة تلقين خدمات تشمل الولادات الطبيعية والقيصرية، العمليات النسائية، ورعاية حديثي الولادة. ومع توقف هذا المرفق، تواجه آلاف النساء الحوامل خطر الولادة من دون إشراف طبي.

مراكز صحية خارج التغطية

مركز كفر جنة الصحي كان بمثابة نقطة طبية أولية تخدم مئات العائلات يومياً، وقدم نحو 2758 خدمة صحية متكاملة، من عيادات داخلية ونسائية وأطفال، إلى صيدلية ومخبر عام.كما ساهم المخبر الوبائي وبنك الدم في إجراء أكثر من 5300 تحليل طبي، منها تحاليل عامة، وهرمونية، وواسمات سرطانية، وقدّم بنك الدم 925 وحدة دم جاهزة للنقل، في وقت تشكل فيه عمليات النزف والحوادث والإصابات تهديداً دائماً لحياة المدنيين.

منظومة الإسعاف، التي عملت على مدار الساعة للاستجابة للحوادث والنقل بين المراكز الطبية والمعابر، نقلت مؤخراً 645 مريضاً بحالات حرجة. وإيقاف هذه المنظومة يعني فعلياً شلّ الاستجابة الأولية، وترك المرضى لمصيرهم في غياب أي بنية مواصلات عامة أو سيارات إسعاف بديلة.

انهيار بيئي وصحي يلوح في الأفق

الأزمة لا تقف عند المرضى فحسب، فمحطتا حرق النفايات الطبية، اللتان أُخرجتا من الخدمة أيضاً، كانتا تقومان بدور حاسم في التخلص من النفايات الطبية بطريقة آمنة، ومع توقفهما تتزايد مخاطر التلوث البيئي وانتقال الأمراض المعدية، إذ لا توجد أي آلية بديلة للتعامل مع هذه النفايات، ما يضع البيئة المحلية وصحة السكان على المحك. ويزداد المشهد قتامة مع توقف محطة توليد الأوكسجين، الذي يُعد من أكثر المواد الحيوية في أقسام العناية المشددة والطوارئ، وغياب الأوكسجين الطبي، يعني حرمان المرضى من العنصر الأساسي في إنقاذ الحياة، وخصوصاً أولئك الذين يعانون من مشكلات تنفسية، أو أمراض مزمنة، أو مضاعفات بعد العمليات.

تهميش متعمد

في تصريح خاص لـ”الثورة”، عبّر الدكتور محمد رضوان كردي، المدير السابق لمديرية “صحة حلب الحرة”، عن أسفه العميق لهذا القرار، موضحاً أن انسحاب عدد من المنظمات الداعمة خلال الفترة الأخيرة، وتحوّل أولويات التمويل إلى مناطق داخل سوريا، أدى إلى شلل تدريجي في مؤسسات الشمال.

وأضاف: إن المنطقة لا تزال مكتظة بالسكان، وشهدت في الأشهر الأخيرة عودة طوعية من آلاف المهجرين السوريين من تركيا، ما زاد الضغط على المنشآت الصحية. كما تم تحرير مناطق جديدة شمال حلب لم تُفعّل فيها مراكز صحية بعد، وبالتالي باتت المنشآت العاملة سابقاً تتحمل فوق طاقتها.

360 موظفاً على وشك التسريح

أكثر من 360 طبيباً وممرضاً وفنياً وعاملاً صحياً من ذوي الكفاءات والخبرات المتراكمة، باتوا مهددين بفقدان وظائفهم نتيجة توقف التمويل، هؤلاء ليسوا فقط كوادر طبية، بل هم حماة حياة مئات الآلاف من المدنيين، واستثمار سنين طويلة من التدريب والعمل تحت ظروف قاسية.

تسريح هؤلاء الكوادر يعني خسارة لا تُعوّض للقطاع الصحي في الشمال السوري، وعودة المناطق المحررة إلى نقطة الصفر على الصعيد الصحي، في وقت تتزايد فيه الحاجة لكل يدٍ خبيرة وأداة طبية متوفرة.

النداء الأخير

في بيانها، وجهت مديرية “صحة حلب الحرة” نداءً عاجلاً إلى الجهات المانحة والمنظمات الدولية الإنسانية والصحية، مطالبة بإعادة الدعم لهذه المشاريع الحيوية، ومحذّرة من أن توقف هذه المنشآت سيتسبب بكارثة صحية حتمية، وسيفاقم معاناة مئات آلاف السكان في واحدة من أكثر المناطق تهميشاً في سوريا.

وأكد البيان أن هذه المنشآت ليست مجرد مشاريع تنموية، بل مرافق طبية أساسية لا يمكن للسكان الاستغناء عنها، وخاصة في ظل عدم وجود بدائل حقيقية قادرة على سد الفراغ الذي سينتج عن توقفها.

ختاماً.. الصحة لم تعد أولوية، والمرضى يدفعون الثمن.. ويبدو أن الملف الصحي في شمال سوريا لم يعد على جدول أولويات العديد من الجهات المانحة، في ظل تقلّص التمويل الدولي، وتزايد الأزمات العالمية، ورغم كل النداءات والتقارير الحقوقية والإنسانية، والصحة، التي يُفترض أنها من أبسط حقوق الإنسان، باتت في ريف حلب الشمالي رفاهية لا تُتاح إلا للقادرين على السفر أو الدفع، أما الفقراء، وهم الأغلبية، فمصيرهم أن يتحملوا الألم أو أن يرحلوا بصمت، في ظل الانشغال العالمي بملفات أخرى، يبدو أن المرضى السوريين في الشمال تُركوا لقدرهم، وأن القطاع الصحي هناك يتجه نحو الانهيار الكامل، ما لم يتم التدخل سريعاً.

آخر الأخبار
توقيع عقود تصديرية.. على هامش فعاليات "خان الحرير- موتكس"     تشكيلة سلعية وأسعار مخفضة.. افتتاح مهرجان التسوق في جبلة السياحة تشارك في مؤتمر “ريادة التعليم العالي في سوريا بعد الثورة” بإستطاعة 100ميغا.. محطة للطاقة المتجددة في المنطقة الوسطى "خان الحرير - موتكس".. دمشق وحلب تنسجان مجداً لصناعة النسيج الرئيس الشرع أمام قمة الدوحة: سوريا تقف إلى جانب قطر امتحان موحد.. "التربية" تمهّد لانتقاء مشرفين يواكبون تحديات التعليم خبير مالي يقدم رؤيته لمراجعة مذكرات التفاهم الاستثمارية أردوغان: إســرائيل تجر المنطقة للفوضى وعدم الاستقرار الرئيس الشرع يلتقي الأمير محمد بن سلمان في الدوحة قمة "سفير" ترسم ملامح التعليم العالي الجديد خدمات علاجية مجانية  لمرضى الأورام في درعا الرئيس الشرع يلتقي الشيخ تميم في الدوحة الشيخ تميم: العدوان الإسرائيلي على الدوحة غادر.. ومخططات تقسيم سوريا لن تمر الحبتور: الرئيس الشرع يمتلك العزيمة لتحويل المستحيل إلى ممكن فيصل القاسم يكشف استغلال "حزب الله" وجهات مرتبطة به لمحنة محافظة السويداء ضبط أسلحة وذخائر معدّة للتهريب بريف دمشق سرمدا تحتفي بحفّاظ القرآن ومجودي التلاوة تنظيم استخدام الدراجات النارية غير المرخّصة بدرعا مطاحن حلب تتجدد بالتقنية التركية