نقاشات معمقة في الثقافة للكتاب السوريين في يومهم الثالث.. أقلام مغموسة في جراح الناس لا على مشارب السلطة والولاءات
الثورة – رنا بدري سلوم:
كل البدايات جميلة، وأجملها حين تكمل مسيرتها بخطا ثابتة، أن يرسم الكتّاب هويتهم السورية الحرّة من جديد، وهو ما أكدوه باختيارهم عنوان “ملتقى الكتاب السوريين”، الذي حجز لنفسه مكانة لافتة في المشهد الثقافي كسر أغلال الكلام.. وبدأ فعالياته ليستقطب الشعراء والكتاب والأدباء ليكونوا حاضرين في رسم هوية ثقافية سورية جديدة نقية تعطي كل ذي حق حقه، فلا تطالها المحسوبيات ولا يبدل أثوابها مدعو الثقافة، كما كان في زمن النظام المخلوع، ومن يتابع الشأن الثقافي يدرك الفارق الواضح، الثقافة اليوم لا تحتاج عقولاً متكلسة، ولا أنا متورمة، الثقافة تحتاج لضمير إنساني خلاق يعرف قيمته ويحجز لنفسه مكانة حرة من كل قيد وعبودية.
لا يزال الأدباء السوريون يحلّقون في يومهم الثالث في ملتقاهم الثقافي الأول “ملتقى الكتّاب السوريين” برعاية وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب، بدءاً من وزير الثقافة ورئيس الاتحاد وصولاً إلى مديرين وشعراء أسقطوا كل الصفات الرسمية عنهم وحضروا كشعراء، بعيداً عن ألقابهم الرسمية وصفاتهم الوظيفية.. تابعوا عن كثب وبشكل يومي ملتقاهم ونشاطاته ومحاوره ومتابعيه، مهتمين بما يقدمه زملاؤهم في الملتقى خلال أربعة أيام على التوالي في المكتبة الوطنية بدمشق، مقدمين عناوين جميلة تفتح آفاقها للكثير من الكتاب بمختلف الفنون الأدبية للمشاركة، بدءاً من الشعر إلى القصة القصيرة، مروراً بالرواية إلى أدبيّ المهجر والنسوي إضافة إلى حوارات ثقافية تاريخية تراثية سياسية وغيرها.

الثقافة مقاومة ومشروع
قد تتبدل الوجوه الإدارية، والسلطات والحكومات، لكن الوجه الثقافي السوري يبقى مشرقاً هكذا اعتدناه رغم الاستبداد، فكم من شعراء كتبوا في المنفى، ورسموا وشكلوا خارطة سوريا التي لا يرونها إلا حرة ملونة تتسع الجميع، والنماذج كثيرة عن أدباء سوريين علمونا معنى الحرية وهم خلف القضبان أو في بلاد المهجر.
ولعل الثقافة السورية وكما رآها وزير الثقافة الشاعر محمد ياسين صالح كانت دوماً عصيّة على الهزيمة، وفي أشد ليالي الاستبداد حلكة، وهو ما أكده في كلمته بالملتقى أن الحياة الثقافية السورية بدت بشخوصها وتراثهم الفكري والإبداعي، بمثابة فعلٍ مقاوم في الداخل وفي المنافي، ضد ابتلاع المؤسسات وضد تنميط صورة الثقافة الممجدة لعنف الديكتاتور والمثقف الخاضع له، وستبقى كذلك في عهد الحرية وبناء الدولة السورية الجديدة، تقاوم التفكك الاجتماعي والمشاريع التي لا تريد لسوريا وشعبها الخير.
ختاماً.. إنّ الثقافة السورية ليست إرثاً فحسب، بل مشروع وجود.
هكذا احتفل الكتاب بعودة المشهد الثقافي الحقيقي بعيداً عن الشبهات والمظاهر والتستر خلف عباءة الثقافة، فالكاتب الحقيقي يحمل نبراس نور، ولا يمكنه إلا أن يحمل قضايا مجتمعه، ويضيء على الجانب المعتم، إنها وظيفته الإنسانية التي لا بد أنها ستتصدر كل الوظائف مهما علت الرتب يبقى الكاتب حالماً.. فكما بين رئيس اتحاد الكتاب العرب الشاعر محمد طه العثمان في كلمته، وما أكده لنا في لقائه “أن الكتاب الحقيقيين هم أولئك الذين غمسوا أقلامهم في جراح الناس وأحلامهم، لا من علقوها على مشارب السلطة والولاءات، منتقداً احتكار المشهد الثقافي من أسماء فرضت سطوتها بـسلطة لا تمت للإبداع بصلة”.
نعم إننا اليوم أمام مفترق طرق، بين ثقافة كانت أداة للقمع وثقافة حاضنة لوجدان الشعب، يتطلب وفقاً لعثمان استعادة العلاقة بين المثقف الحقيقي ومؤسسات الدولة، وفتح نوافذ الإبداع على مصراعيها.
يكمل “ملتقى الكتاب السوريين” اليوم أعماله لليوم الثالث، مقدماً في برنامجه محاضرات تحت عناوين “الهوية الثقافية السورية”، ثم أمسية شعرية ومحاضرة “أثر الكتاب السياسي في المهجر بين الثورة والدولة”، وفي النهاية “أمسية قصصية”.