الثورة- حسين صقر:
العلاقات الاجتماعية بين الواقع والعالم الافتراضي، عبارة باتت تطرق مسامعنا يومياً وفي كل جلسة أو لقاء، إذ يعيش الناس صراعاً كبيراً يدور في أنفسهم، وهم يقارنون بين وجهي العلاقتين الواقعية والافتراضية، حتى أن المتصالحين مع ذواتهم يتحدثون عن وجهين قد يتعامل بهما الشخص مع الآخرين، بينما من يحاولون تجميل الواقع يقولون: قلائل هم من يتعاملون بهذين الوجهين، فيما البقية لا يظهرون بصور ملونة، وتلك هي طباعهم في الواقع والعالم الافتراضي.
لتسليط الضوء على هذا الموضوع التقت صحيفة الثورة بعض الفعاليات التي أبدت آراءها في هذا الخصوص، مؤكدة أنه لا يخلو الأمر من وجود أقنعة يرتديها الغالبية من الناس الذين يعاملون غيرهم من خلف شاشة الهاتف أو الحاسب في الوقت الذي يجب أن يظهر أولئك على حقائقهم، ولا داعي لأن يكون الشخص أياً كان بهذين الوجهين المزعومين، لأن لا شيء يستحق التلون والمواربة، بل على العكس، من الأفضل أن يكون الإنسان واضحاً وبشكل دائم، لأن ذلك من سمات الشخصية المتوازنة.
حالة صحية جيدة
وفي هذا السياق قال المهندس كرم اسكندر: من الأفضل أن يكون الإنسان واضحاً أينما حل، وأينما كان، لأن الشاشة حتى لو أخفت جزءاً من حقيقته، لا بدّ أنه سوف ينكشف في لحظة ما، ويعرف كل من تواصل معه حقيقته، وأنه شخص متلون موارب، في الوقت الذي تشير تطابقه وصدقه في الواقع والافتراضعلى حالته الصحية ومصالحته مع ذاته والآخرين.
من ناحيتها قالت المدرسة سمر دالي: من أهم إيجابيات التواصل الافتراضي، إلغاء المسافات بين المجتمعات وزيادة حجم العلاقات الإنسانية مع مختلف الجنسيات والمعارف من البشر، منوهة بأن التواصل الافتراضي يقلل حجم المعاناة وحالات الحنين والقلق التي تنتاب الأقرباء والأصدقاء والأحبة، ويحافظ على مستوى من التواصل الاجتماعي بصورة متماسكة إلى حد كبير، لكن بشرط أن تتخذ تلك العلاقات صفة الصدق وعدم التلون والمواربة، لأنه كما يقال: حبل الكذب قصير، وسرعان ما للشخص المتلون أن ينكشف ويظهر على حقيقته.
طيف واسع
المحامي حسون العاسمي قال: لقد ساهم التطور التكنولوجي الحديث بإنتاج وسائل اتصال حديثة أثرت بدورها على العلاقات الاجتماعية للأفراد من حيث شكلها وطبيعتها وظهورها حيناً واختفائها حيناً آخر، خاصة في المجالات التفاعلية الحديثة التي تعددت فيها العلاقات الاجتماعية.
وأوضح بناءً على ذلك لا بدّ من تفكيك وفهم آليات الانتقال من مجتمع قائم على علاقات اجتماعية مباشرة بين الأفراد إلى مجتمع يقوم على علاقات تتوسطها وسائط إلكترونية تكون بصفتها افتراضية، وذلك في مجتمع اصطلح على تسميته حديثاً بالمجتمع الافتراضي.
ونوه العاسمي بأن تلك العلاقات والتي أنتجها التطور التكنولوجي وأثر من خلالها على هويات الأفراد عبر مفاهيم سوسيولوجية جديدة تتقاطع مع المفهوم الكلاسيكي للرابط الاجتماعي والعلاقة الاجتماعية، ثم تؤسس لطرح جديد في مضمونه ولكنه مبني على عالم مختلف يحجب الآخرين عن رؤيتنا، وبذات الوقت يجعلهم تواقين لمعرفتتا الحقيقية.
لن يحل محل الواقع
في السياق ذاته أشار الموظف المالي سلامة المحمود إلى أن العالم اليوم أصبح بين تواصل حقيقي تسوده علاقات مادية مباشرة، وتواصل افتراضي يتم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ليأتي السؤال هل يحل التواصل الافتراضي مكان التواصل المباشر والحقيقي؟.. وبالتالي لا بدّ من النظر للتواصل الافتراضي بعين محايدة، حيث له من الإيجابيات والسلبيات ما يجعلنا نحكم عليه بحيادية، وقال: من سلبياته أنه حدّ من العلاقات المباشرة، كما حجب عنا لغة الجسد كي ندرك رسالة التواصل مع الطرف الآخر بشكل صحيح، مشيراً إلى أن التواصل البصري يمنح العين جزءاً كبيراً من الرسائل المتبادلة ما بين الطرفين، ويؤدي في كثير من الأحيان إلى عدم وضوحها، وهذا يؤثر سلباً على قوة التواصل بين الأطراف والانغماس الشعوري بينهما.
وأضاف المحمود: إن من أهم إيجابيات التواصل الافتراضي، زيادة حجم العلاقات الإنسانية مع مختلف الجنسيات والمعارف من البشر، وتقليل حجم المعاناة، ويحافظ على مستوى من التواصل الاجتماعي بصورة متماسكة إلى حد كبير، ويمكننا من الاطمئنان على أبنائنا وأحبابنا.
توازن وتأثيرات متبادلة
بدوره المرشد الاجتماعي سلوان الناشي قال: تعتبر العلاقات الاجتماعية في الواقع والعالم الافتراضي مجالاً معقداً ومتداخلاً، ففي حين أن التكنولوجيا سهلت التواصل وتوسيع العلاقات الاجتماعية عبر الحدود الجغرافية، إلا أنها قد تؤثر سلباً على جودة هذه العلاقات إذا لم يتم التعامل معها بحكمة، وأضاف تسمح العلاقات الواقعية بالتفاعل المباشر، وفهم لغة الجسد، وبناء الثقة والانسجام، ولكن الوقت لتلك العلاقات وذلك التواصل قد لا يكون مناسباً ومحكوم بالظروف، في الوقت الذي لا يظهر فيه الشخص على حقيقته، وقد يكون في الواقع مختلفاً عن عالمه الافتراضي هذا.
وأضاف: قد تكون العلاقات الافتراضية محدودة، وقد تنتهي بانقطاع وانعدام وسائل التواصل بسبب الحواجز الجغرافية والاجتماعية والعادات والتقاليد وقال الناشي: قد توفر علاقات العالم الافتراضي فرصاً اسهل للتواصل والعمل مع أشخاص من مختلف الثقافات، وتبادل الأفكار، وتلقي الدعم النفسي، وقد تكون سطحية، وتفتقر إلى العمق في بعض الأحيان، وتثير مخاوف بشأن الهوية والموثوقية.
ولفت إلى أنه من الضروري تحقيق التوازن بين العلاقات الواقعية والافتراضية لتعزيز جودة العلاقات الاجتماعية، ولاسيما أن العلاقات الافتراضية مفيدة في توفير الدعم النفسي، ولكن الإفراط فيها قد يؤدي إلى العزلة الاجتماعية والشعور بعدم الرضا، لأن الشباب قد يعيشون بين هويتين، هوية حقيقية في الواقع، وهوية افتراضية على الإنترنت، لكن بالنتيجة فالعلاقات الاجتماعية في الواقع الافتراضي هي جزء لا يتجزأ من حياتنا المعاصرة، ويجب أن ندرك أن هذه العلاقات لها مزاياها وعيوبها، وأن تحقيق التوازن بينها وبين العلاقات الواقعية أمر ضروري لضمان صحتنا النفسية والاجتماعية.